عثمان تزغارت
حين يُحكم بالسجن ستة أشهر على مالك الجبانة، بطل شريط «نبي» لجاك أوديار، يعتقد الجميع أنّ الفتى الذي لم يبلغ التاسعة عشرة بعد، سيكون فريسة سهلة للمافيات التي تتقاسم النفوذ في السجن. فهو شاب خجول، لا يجيد القراءة ولا الكتابة، وليس لديه أي سند بين المساجين. لكن غريزة البقاء سرعان ما تولّد لديه عبقرية من نوع خاص تجعله يسحب البساط من تحت أرجل المافيا الكورسيكية والجماعات الأصولية الإسلامية، ليبسط نفوذه على المساجين كافة، من دون منازع. وإذا بالفتى الخجول يتحول إلى وحش كاسر، ويكشف عن كاريزما شريرة لم يكن يتصوّرها أحد...
من أجل رصد تحول شخص مسحوق إلى وحش كاسر، بحث جاك أوديار عن ممثل مغمور، ليسند له أوّل دور على الشاشة. وشاءت المصادفات، أن يلتقي بشاب اسمه طاهر رحيم، خلال زيارة قام بها إلى موقع تصوير المسلسل التلفزيوني «الكومونة» (La Commune). لم يأت أوديار بحثاً عن ممثلين، بل جاء لزيارة شريكه في كتابة سيناريو «نبي»، عبد الرؤوف ظافري الذي أسندت إليه «كانال +» إخراج المسلسل المذكور.
ما إن وقعت عينا أوديار على رحيم، حتى شعر بأنّه الشخص الذي كان يحلم به لتقمّص شخصية مالك الجبانة في «نبي». كان رحيم قد حصل على دور صغير جداً في مسلسل «الكومونة»، ولم يتصوّر أبداً أنّ تلك المشاركة المتواضعة ستشرّع أمامه أبواب النجومية السينمائية الواسعة. لم يتصوّر أن يصبح بعد أشهر معدودة، أول

أول ممثّل ينال جائزتي «سيزار» دفعة واحدة
ممثل في تاريخ السينما الفرنسية يجمع ـــــ خلال موسم «سيزار» واحد ـــــ بين جائزتي «أفضل ممثل» و«أفضل ممثل واعد».
على غرار الشخصية التي تقمّصها على الشاشة، لم يكن أحد يراهن خلال الدورة الأخيرة لمهرجان «كان» السينمائي، على أن طاهر رحيم سيستقطب الأضواء إلى هذا الحد. لكنّ أداءه المبهر في «نبي» جعل منه أبرز اكتشافات الموسم في فرنسا. قبل دوره الذهبي، كان رحيم قد أدى دوراً ثانوياً لم يلفت الأنظار في فيلم الرعب الفرنسي «في الداخل» (إخراج ألكسندر بوستيلو وجوليان موري ـــــ 2007). كما قدَّم، تحت إدارة المخرج الشاب سيريل مينوغن، خلال العام نفسه، فيلماً بيوغرافياً زاوج بين التوثيق والخيال، حمل عنوان «أحلام طالب اسمه طاهر». في ذلك الشريط، عبّر رحيم الذي كان آنذاك طالباً في «معهد السينما في مونبلييه»، عن أحلامه بأن يصبح ممثلاً سينمائياً كبيراً.
وها هي أحلام الممثل الشاب، الذي ولد لأبوين جزائريين، عام 1981، في مدينة بلفور (شمال فرنسا) تتحقّق. بعد أقلّ من عامين، قفز طاهر رحيم إلى مصاف نجوم المرتبة الأولى في السينما الفرنسية... كلّ ذلك بفضل دور واحد فقط... أدّاه بكثير من الكاريزما والتميّز.