من حق أي مواطن، ولو كان رجل دين، أن ينتقد برنامجاً تلفزيونياً. لكن تزامن تصريحات مفتي جبل لبنان وعضوة «المجلس الوطني للإعلام...» مع تحريض جماعات متزمّتة وخطباء جمعة على برنامج LOL، يذكّر بمحاكم التفتيش. خلّي بالك من الجوزو!
ليال حداد
هكذا، من دون سابق إنذار، خرجت عضوة في «المجلس الوطني للإعلام المرئي والمسموع» في لبنان عن صمتها. تجاوزت واجبها بالتحفّظ، وطرحت في العلن، منفردةً، نقاشاً من المفروض أن يدور بهدوء وبرود وعقلانيّة ومقاربة علميّة تتسع لمختلف وجهات النظر، داخل تلك الهيئة المرجعيّة التي تحظى بعضويّتها. كلا، لم تطلّ علينا ريتا شرارة للتعبير عن قلقها على الإعلام اللبناني المحاصر من كل صوب، ولا للمطالبة بالمزيد من الحريات الإعلاميّة. لقد خرجت لتناشد رجال الدين و«حرّاس الأخلاق» التدخّل لوقف أحد البرامج الكوميدية على OTV! تطالب شرارة «المسؤولين الروحيين باتّخاذ الإجراءات اللازمة للضغط في اتجاه وقف مثل هذا التفلّت الذي يتربّى عليه الجيل الصاعد، فينشأ متفلّتاً من أي احترام أو تهذيب للإنسان».
البرنامج المقصود هو LOL، الذي سمّته ريتا شرارة بوضوح، وصنّفته ضمن البرامج الإباحية التي لا يسمح بعرضها إلا على القنوات المشفّرة. وتشاء المصادفات أن يتزامن موقف عضوة «المجلس الوطني» الغاضبة ـــــ لفرط غيرتها على الأخلاق العامة ـــــ مع تصريح آخر لمرجع ديني لبناني... ما جعل المراقبين يتخوّفون من أن تهبّ موجة «طهرانيّة» جديدة على المشهد الإعلامي اللبناني. فقد تساءل مفتي جبل لبنان محمد علي الجوزو: من «المسؤول عن ضبط الإعلام وإنقاذه من الفحش والتفحش وخدش الحياء ومخاطبة الغرائز واستحضار البذاءة وإثارة البلبلة في النفوس»؟
الجوزو الذي اشتهر بخطاباته المتشنّجة سياسياً وطائفياً، في الفترة التي تلت اغتيال الرئيس رفيق الحريري (2005)، قرّر أمس دخول معترك الإعلام الذي «لم يعد يشرِّف لبنان، لأنه إعلام يعتمد الفوضى والإثارة الجنسية والتحلل والسباب والشتائم، والبحث عن النصائح والنقائص وإلصاقها بالناس بسبب ومن دون سبب». وبطريقة غير مباشرة، صوّب المفتي باتجاه «لول»، حيث «اختلطت النكتة الخفيفة الظل بالوقاحة والانحطاط الخلقي والفجور». ووسّع دائرة الاتهام، لتطال البرامج الاجتماعية التي تفشي «أسرار الناس»، والرياضية التي «تختلط مع الإثارة الجنسية الفاضحة»...
تصريحا الجوزو وشرارة جاءا بعد عرض OTV حلقة «لول» الخاصة برأس السنة، حيث استمرّ إلقاء النكات فيها لأكثر من ثلاث ساعات. وشهدت عدداً كبيراً من الطرائف التي لا تختلف عمّا يتداوله اللبنانيون يومياً، وتنتشر بسرعة خيالية على البريد الإلكتروني. البرنامج قد يُزعج بعض المشاهدين ربّما، لكن هؤلاء من حقّهم في أي لحظة اختيار محطّة أخرى تناسب أذواقهم وأخلاقياتهم.
تجدر الملاحظة إلى أنّ تصريحي الجوزو وشرارة سبقهما قصف تمهيدي، على لسان بعض خطباء المساجد في الشمال. شنّ هؤلاء حملة غير مسبوقة على «البرامج الهابطة»، ونزل إلى المعترك «اللقاء الإسلامي المستقل» الذي يضمّ النائب خالد الضاهر، فوزّع بيانات استنكار تنتقد «ما تقوم به إحدى المحطات التلفزيونية، مساء كل يوم أحد، بعرض برنامج يجتمع فيه رهط من الساقطين والساقطات يتناوبون على سرد بعض القصص التي تنشر ثقافة الرذيلة والفحشاء والدعارة في مجتمعنا، بل ويسردون بعض القصص التي لا تليق بالعزّة الإلهية، وتعدّ مجاهرة بالكفر والزندقة، ما يسيء إلى جميع المؤمنين في لبنان...». ولم يفت اللقاء توجيه السهام إلى برنامج «عيش بيروت» الذي تعرضه الشاشة البرتقالية أيضاً، وينقل أجواء السهر في النوادي الليلة والمطاعم اللبنانية.

محمد علي الجوزو يطالب بـ«ضبط الإعلام وإنقاذه من الفحش»
هبّة عامة لـ«حرّاس الأخلاق»، وموجة من التصريحات المتشنّجة التي تحرّض على محاربة «الرذيلة»، بعد أن ضاقت سبل التحريض على الفتنة والنعرات الأهليّة. فيما المطلوب الاحتكام إلى منطق القانون، فوحده يحمي الأفراد ويضمن حريّتهم وحقوقهم المدنيّة، من الجماعات الهائجة. حاولنا أن نعرف وجهة نظر فريق العمل في برنامج LOL الذي يتوقّع الانتقادات: «جميع هؤلاء يخافون على سلطتهم إذا تحرّر المواطن»، يقول مخرج البرنامج شادي حنّا لـ«الأخبار». برأي حنّا، فإنّ خلفيّة الجوزو، وكل مَن انتقد «لول»، سياسية بحت قبل أن تكون أخلاقية أو دينية، «ظنّ هؤلاء أن OTV لن تتمكّن من المنافسة، وأنها ستبقى قناة هامشية، وجاء هذا البرنامج الذي احتلّ المرتبة الأولى على جميع الشاشات، ليثبت لهم العكس، فبدأ التصويب عليه».
وتعليقاً على محتوى حلقة رأس السنة الذي أثار حفيظة بعضهم، يرى حنّا أن هذه الحلقة كانت استثناءً، فـ«الجميع في هذه الليلة يكونون فرحين، ولن تزعجهم هذه النكات. لذلك، لا أرى أن ما حصل كان فاضحاً». ويذكّر حنّا بأنّ «الضحك يسهم في فكّ سلاسل الجهل والبؤس والحزن التي تحكّمت في اللبنانيين طويلاً، وهو ما يخيف كل المسؤولين».


الإنتقاد موضة؟

يبدو أن الإحتجاج على البرامج الكوميدية في لبنان، باتت موضة هذه الأيام. قبل إنتقاد برامج النكات على الشاشات اللبنانية، خصوصاً «لول»، دشّن رئيس تحرير جريدة «الديار» شارل أيوب، موجة إنتقاد هذه البرامج في إفتتاحيته قبل الإنتخابات النيابية. يومها، شتم فيها مخرج برنامجَي «بسمات وطن» و»دمى قراطية» (LBC)، شربل خليل (الصورة). وإنطلقت من بعدها سبحة الإنتقادات التي رأت في ما تبثّه هذه البرامج، ترويجاً للإنحلال الأخلاقي حيناً، وتشجيعاً على التطاول على المقامات الروحية والشخصيات السياسية حيناً آخر.