حسين بن حمزةفي مجموعتها الجديدة «زهرة الجبال العارية» (دار بدايات ـــــ دمشق)، وهي الثالثة لها بعد «مثل الماء لا يمكن كسرها» و«خدعة الغامض»، تكتب فرات إسبر قصائد لا تبتعد عن الذات ومشاغلها. الشاعرة السورية المقيمة في نيوزيلندا، حاضرة بقوة وكثافة في المجموعة. لكنّ هذا لا يعني أننا سنقرأ ترجمات مباشرة لأجزاء من سيرة شخصية حقيقية أو متخيّلة. ما نتوقّعه من نثريات ومشهديات زائلة، يتضاءل هنا لمصلحة معجم شعري أكثر تنوّعاً. هناك حمولة لغوية أثقل مما نجده في الشعر اليومي الشائع بإفراط لدى أغلب التجارب الشعرية الراهنة. لكن هذا التمايز لا يؤدي إلى تمايز حتمي في الحصيلة الشعرية. القصد أننا نقرأ صوراً وسطوراً ومقاطع منجزة بشعرية لافتة، ونقرأ أشياء أخرى عادية أو أقل شعرية.
الواقع أن هذا التمييز لا يلخِّص الممارسات الشعرية الموجودة في المجموعة كلها، فضلاً عن أن صاحبة المجموعة نفسها لا تضعنا أمام ثنائية أن نُعجب أو لا تُعجب. نحن أمام كتابة شعرية لا تستجيب بسهولة لمعاملة نقدية كهذه، وخصوصاً أنها تجربة مفارِقة إلى حدٍّ

الغربة والوحدة والخسارة في «زهرة الجبال العارية»

ما للبديهيات التي تحضر في نتاج أغلب الشاعرات العربيات. معادلة المرأة ـــــ الرجل ذائبة هنا في كتابة تستحضر عناصر ومكوّنات مختلفة. ربما نقرأ صوراً تتراءى فيها مذاقات أنثوية مثل: «جسدي طائرٌ، وهبتُه لصيادٍ/ مرّ في غابتي» أو «هو الزمان/ ضيِّقٌ/ كخاتم الزواج» أو «غيّرني الحب/ لم أَعُدْ الزهرة/ أو عطارد/ .../ امرأة أنا/ تجوبُ البراري بنعلِ أحلامٍ صدئْ». ولكن هذه الصور تضع الأنوثة في فضاء واسع وتمزجها بمناخات وهواجس أبعد من فعل الحب أو افتقاده.
ما يلفت النظر هنا أن القارئ يستطيع أن يحكم على هذا الشعر من زوايا عدّة. ربما تشغله شراسة اللغة وعنفها المكتوم، وهي ترتطم بمعاني الغربة والوحدة والخسارة وفوات الأوان، فيقرأ: «الغابات لا تمشي/ سرقت أقدامها الحرائق» أو «تدحرجْ أيها الحب/ من ها هنا/ من أعالي قلبي». وربما يجتذبه المنفى الوجودي والفلسفي الذي تنضج فيه الكلمات، حيث «الماضي يلهث مثل كلب/ أعطيه المسكنات كي يهدأ»، و«البلاد ضيقة/ والصدر واسع» و«من فمي يخرج دخانٌ كثيف/ الذكريات تتعفَّن في الرؤوس». ولعلّه سيتوقف ملياً عند قول الشاعرة: «مِنْ أحسنِ الطينِ جُبلتُ»، ليتأمل الخسارات والآلام المتلامعة تحته».