إنّه فنّان شامل، يجمع بين المسرح والرقص والشعر والفيديو والتجهيز... لكنّ الموسيقى لها مكانة خاصة في تجربته المغايرة. «الألبوم الجديد» يواصل الغرف من ذاكرة ولد شقي في دوّامة الحرب الأهلية

بشير صفير
عندما يرِدُنا إعلانٌ عن جديدٍ لرائد ياسين، نتوقع أمراً وحيداً فقط: غير مألوف. بمعنى أنه لا يشبه في الشكل والمضمون أي منتَج ثقافي في لبنان. والفنان اللبناني الشاب المتعدّد المواهب لا يشذّ عن هذه القاعدة في أي عملٍ له، أكان في الشعر أم الرقص أم المسرح أم الفيديو أم العروض السمعية البصرية أم الموسيقى.
بعد عرضِه السمعيّ البصريّ Horror Is Universal الذي قدمّه أخيراً في بيروت، أطلق رائد ياسين ألبومه الجديد الذي حمل عنوان «الألبوم الجديد». الفكاهة في عنوان العمل الموسيقي



مقطع من "خراس"








التسجيلي هذا، تحيلنا على أوّل عمل شعريّ نشره ياسين في عام 2000، وكان عبارة عن بضع صفحات بيضاء تحوي عبارة واحدة هي: انتفخ الولد من أكل التفاح ثمّ مات. يومها، حمل هذا «الديوان الضخم» عنوان «الأعمال الكاملة»! هذا الأسلوب من الفكاهة حيناً والسخرية السوداء أحياناً، هو المصدر الذي يستوحي منه ياسين من دون أن يستنزفه. تماماً كما يستند دوماً إلى كل ما أحاط به أو عايشه في الطفولة الصعبة والمراهقة الأصعب.
المادة الصوتية التي يحويها «الألبوم الجديد» تمثّل ـــــ في جزءٍ منها ـــــ الشريط الصوتي الذي نفذه رائد (أداء حيّ) خلال عرض Horror Is Universal. وتضاف إليها بعض التسجيلات التي تمحورت حولها اهتمامات الفنان في الفترة الأخيرة، أي نشاطه «الأركيولوجي»، وبحثه المستمر في ذاكرة مَن كان ولداً شقياً في لبنان الحرب الأهلية.



مقطع من "وقت سامي الضائع"








ضمّ «الألبوم الجديد» ثماني عشرة محطة موسيقية/ صوتية، يرتبط توقيتها بالفكرة المراد إيصالها. هكذا، تراوح بين سبع ثوانٍ وأكثر من تسع دقائق. «كان ما كان في قديم الزمان»، من هذه العبارة ينطلق «الألبوم الجديد» ويُختتم بها بعد دورة كاملة. إذاً هو عبارة عن قصة. قصة حياة صاحب العمل من الطفولة حتى الشباب. أو ما بقي منها مبعثراً في الذاكرة: أفلام مصرية شعبية، سامي كلارك، فيروز، طرب، «نزل السرور»، سعاد حسني، فريد الأطرش، الشاطر حسن، سهام (بطلة أغنية شخصية درباس، «ما طلت سهام»)...
يستخدم رائد أدواته (تاركاً الكونترباص جانباً هذه المرّة) ويضيف إلى المادة الصوتية بعض الإلكترونيات، فيقطّع، ويَصِل، ويكرِّر، ويشوِّه، ويحوِّر ويزاوج. «الألبوم الجديد» هو خلاصة هوس بالثقافة الشعبية الموسيقية والسينمائية (اللبنانية والمصرية). وهذا ما جعل ياسين يرى ما لا يراه (أو يسمعه)

ألبوم يندرج ضمن تيار الموسيقى التجريبية الحرّة
الجميع من النظرة الأولى لثقافته. الهوس مرآة الخفايا.
يسير العمل في فوضى منظمة ضمن تيار الموسيقى التجريبية الحرّة، ما يجعله نافراً على أذن الجمهور أو حتى قبيحاً. لكن هذه المرآة التي تعكس خفايا الفنون أو المجتمع، تعكس أيضاً واقع العالم. ومَن يعِ هذه الحقيقة، فسيتقبّل العمل (أقله من هذه الزاوية)، أي سيرى القبح الذي تردّه المرآة جمالاً، فيستمتع بالمواجهة... والعكس صحيح. رائد يحاول في جميع أعماله، مزج عناصر الحاضر وأدواته ببقايا الماضي المعدَّل جينياً، ليستنتج عناوين المستقبل، أو ربما تنبؤاته المتشائمة عن وجه حق.
من جهة ثانية، سبق لرائد ياسين أن أصدر العديد من الأعمال الفنية الموسيقية التجريبية («مغامرات سوبرمان» مع جين كولمان وCedarhead مع مجموعة من الفنانين) عند زميله في المهنة والتوجُّه، مازن كرباج، مؤسِّس «المسلخ» (الناشر المختص بالموسيقى التجريبية الحرة في لبنان). لكن ياسين استقلّ في هذا العمل الذي نشرته في إصدارها الأوّل «النهاية» التي أسّسها حديثاً لهذا الغرض.


ناشرو ما لا يُنشَر

لا تقاس الصعوبات التي تعترض الموسيقى التجريبية الحرة في الوصول إلى الجمهور بتلك التي يواجهها أصحابها لطبع أعمالهم ونشرها. لذا، كان لا بد من اجتراح حلّ يقيهم عناء إقناع الشركات العربية والمحلية التي لا تهتم لهذا النوع من «الانحرفات». هكذا أسس الفنان مازن كرباج «المسلخ» وأصدر العديد من التسجيلات المذيّلة بعبارة: المسلخ صحن طائر أُلِّف لنشر ما لا يُنشر على الساحة الفنية اللبنانية. أما اليوم فلم يَعُد «المسلخ» وحيداً، بعدما أسّس رائد ياسين «النهاية» لينشر «الألبوم الجديد» الذي طُبِعَ منه عددٌ محدود من النسخ حملت أرقاماً من 1 إلى 500.