بيار أبي صعبفي فضاء بيروت هذه الأيّام، حملة جريئة وطموحة من النوع الذي لم نعد ننتظره، أو حتّى نحلم به، وسط غابة الملصقات العملاقة التي تلوّث عادةً حياتنا اليوميّة بألف شعار كاذب وسلعة مغشوشة، وتحاصرنا بالركاكة وقلة الذوق والإثارة الرخيصة. الملصق صمّمته فاليري نصير بتقشّف، وحسّ مرهف، وخفّة ظل، حول قول شعبي شائع: «بحكيك من الشرق... بتردّ من الغرب». علماً أن مصطلحي «الشرق» و«الغرب» هنا، مستعملان بمعناهما الحرفي، بل إن الجزء الثاني من المثل مكتوب باللاتينيّة. الخطاب واضح إذاً: كفى اغتراباً عن اللغة الأم، في وعينا وسلوكنا، بحجة العصريّة والعالميّة، وبداعي التمايز الثقافي (الطبقي)، والتعالي المديني (وغالباً الطائفي/ المذهبي). هذه الأميّة المموّهة التي جعلت جيلاً كاملاً يكاد يفقد الصلة بلغته الأم، هي من علامات الانحطاط التي لا تخطئ.
«حملة الحفاظ على اللغة العربيّة» التي أطلقتها في بيروت جمعيّة «فعل أمر» التي ترأسها سوزان تلحوق، بدعم عابر من «العاصمة العالميّة للكتاب»، ليست سوى صرخة إنذار بوجه مجتمع الخدمات والاستهلاك والمظاهر، الذي يفقد كل يوم شيئاً من روحه، فيما يظنّ أهله أنّهم ماضون في رحلة الانفتاح الحضاري والتعدد الثقافي. «التعدد الثقافي» بات شعاراً فارغاً للأسف، يتاجر به كثيرون داخل لبنان وخارجه، فيما هو يخفي خلف واجهته البرّاقة خواءً وضياعاً واستلاباً، وحروباً أهليّة مقبلة، وثقافة عشوائيّة تعيش في قطيعة مع الواقع والمحيط والذاكرة.
جمعيّة «فعل أمر» التي تعقد مؤتمرها الأول السبت في بيروت، تقول لنا إن شعباً بلا لغة هو شعب بلا مستقبل. إذ ماذا يجني اللبناني لو تكلّم لغات العالم كلّها، و... خسر نفسه؟