علي السقا يضع أحمد القبانجي في كتابه «تهذيب أحاديث الشيعة» (منشورات الجمل) الأحاديث النبوية ثم أحاديث الأئمة بوجه خاص على مشرحة النقد والتحليل. ليس لجعلها موضع ارتياب، بل لتقصّي الأسباب والشوائب التي تعتري بعضها وصولاً إلى تظهير بعض الأحاديث المجعولة على لسان الرسول والأئمة وتبيان مدى زيفها. اعتمد المؤلف في تفكيك بنية تلك الأحاديث على مبدأين: الأول عبر التحقّق من الرواة المدرجة أسماؤهم في متن النص ويمثّلون السند الأساسي له، والآخر من خلال إعمال العقل في تفسير تلك الأحاديث سواء عبر مقارنتها بأحاديث أخرى أو الاستشهاد بآيات قرآنية تدحض بعض هذه الأحاديث.
يبيّن المؤلف كيف اشتملت مروحة الرواة على مجموعة أشخاص تفاوتت ظروف وجودهم في متن الأحاديث، من «المندسّين والطامعين في تشويه صورة الأئمة» إلى «المرتزقة الذين وضعوا أحاديث كثيرة لجلب نظر الناس» ثم «أصحاب المنابر العاشورائية الحسينية الهادفين إلى التكسّب» وصولاً «إلى المغالين في حبّهم وولايتهم للأئمة».
ولعل اللافت هو وجود عدد من الأحاديث المختلقة، وتلك التي لا تستقيم مع أدنى حدود المنطق، في مؤلفات مَن يعدّون كبار علماء الإمامية. وتعدّ مؤلفاتهم الموارد الأساسية التي يقوم عليها جزء مهمّ من الفقه الشيعي وعلم الحديث، بدءاً من كتاب «الكافي»

يرصد المؤلف الأحاديث المختلقة في «تهذيب أحاديث الشيعة»

للشيخ الكليني، و«وسائل الشيعة» للحر العاملي، وصولاً إلى «بحار الأنوار» لمحمد باقر المجلسي، و«من لا يحضره الفقيه» للشيخ الصدوق.
يورد المؤلف رواية غريبة عن مولد النبي، كما جاءت في كتاب الكليني «لما ولد النبي، مكث أياماً ليس له لبن، فألقاه أبو طالب على ثدي نفسه فأنزل الله فيه لبناً فرضع منه أياماً حتى وقع أبو طالب على حليمة السعدية فدفعه إليها»! هذا إضافة إلى عدد من الروايات التي لا تتّفق مع آيات القرآن في شيء، كإغفال مسألة الثواب والعقاب!
تكمن الخطورة اليوم في تحوّل هذه الأحاديث المطعّمة بلسان حال المرويّات الشعبية إلى ما يشبه منظومة ثقافية لها فروعها التي يستحيل معها النقد من دون الوقوع في مواجهة مع السلطة الدينية التقليدية، أو في تعارض مع الموروث الثقافي الشعبي. إذ «تحولت المؤسسة الدينية إلى عامل ركود القديم وحبوب إجهاض لكل نشاط فكري يصلح الحالة المأسوية. وإن تجرأ أحد على ذلك رُجم بالارتداد ورُمي بتهمة المروق والعمالة للأجنبي».