صباح أيوب
«أقباط مصر سيُمنحون الجنسية المصرية الكاملة كهدية عيد الميلاد وهم يعيشون بسلام وهدوء في مصر»، «مصلحة حماية المستهلك المصرية تضمن حق الرجل بردّ عروسه إذا كانت فاقدة لغشاء البكارة أو إن كانت تشكو من أي خلل آخر»، «المصريون يتعهدون في كوبنهاغن بخفض نسبة انبعاث الغازات... بمنع طبق الفول المدمّس من الأسواق»... هذه بعض العناوين الرئيسة لأخبار جريدة إلكترونية مصرية تدعى «الكُشري توداي» El Koshary Today!
هكذا انضمت مجموعة إلكترونية جديدة إلى الصحافيين والمدوّنين المصريين «الغاضبين» من شوائب مجتمعهم ونظامهم، ولم تفلت من سهام سخريتها أي ظاهرة أو حدث يخصّ بلد الفراعنة. الصحيفة الناطقة باللغة الإنكليزية، اختارت هذه المرة الطريقة القديمة للتعبير في ظل القمع والتضييق على الحريات، فانتقدت السياسة والمجتمع والثقافة والفنون من خلال السخرية البنّاءة! خطوة إيجابية مبشّرة في ظل سيطرة النقد السياسي على الفسحة الإلكترونية على حساب الاجتماعي والثقافي.
«الكشري توداي» تظهر على موقعها الإلكتروني كصحيفة «جدّية» من حيث الشكل: لديها اسم وشعار مؤلّف من شجر نخيل وجمل وأهرامات وحمار وسيارة أجرة، وهي تعرّف عن نفسها بأنها «المصدر الموثوق الأول للأخبار في مصر»! وهي مبوّبة كسائر الصحف: لديها التحقيقات، والأخبار الدولية، وصفحة الرأي، وأخبار الفن، والرياضة، والعلوم والتكنولوجيا وغيرها... وفيما يوحي القالب بجدّيته، يكتشف المتصفح سريعاً أنّ القلب هو ساخر عبارة عن أخبار مركّبة ومتخيّلة ذات رسالة اجتماعية وسياسية واضحة. الصحيفة نفسها لا تخفي ذلك، بل تعلن عن «فلسفتها» على صفحتها الأولى في الخانة «الجدّية» الوحيدة: «إذا لم تلاحظوا، نحن لسنا موقعاً إخبارياً حقيقياً، فلسفتنا هي اللجوء للسخرية والتهكم والخيال للتوعية على قضايا تدمّر بلادنا». وتوضح الصحيفة تفاصيل فلسفتها الخاصة ونقاط اهتماماتها وهي: التمييز الجندري، والتحرشات الجنسية، والاستبداد السياسي، والفساد، والتلوث، وزحمة السير، والتنظيم المدني، والفروقات الطبقية والتعصب الديني في مصر.
تواكب «الكشري توداي» الأحداث الآنية البارزة في مصر والعالم وتعلّق عليها بطريقتها الخاصة الطريفة وتذهب إلى أقصى حدود النقد في بعض الأحيان. ومن أبرز فقراتها مثلاً استطلاع رأي الشارع المصري، وآخر الأسئلة المطروحة: «هل تظن أن جمال مبارك سيصبح رئيساً للجمهورية؟»، والإجابات مثلاً جاءت على الشكل التالي: باريس هيلتون تسأل «هل هو مثير؟» أما باتمان فيوضح: «أنا هو جمال مبارك»!
لم ينسَ «الكشريون» بالطبع التهكّم على اللهجة المصرية في لفظ اللغات الأجنبية، هناك فقرة كاملة بعنوان: «Abetaizar» بالإشارة إلى «Appetizer» ولم يفتهم أيضاً مواكبة أحداث مباراة كرة القدم الأخيرة بين الجزائر ومصر. إذ أوردت الصحيفة خبراً يشير إلى سحب أحد المطاعم طبق السلطة الخضراء من قائمة المأكولات تضامناً مع الفريق المصري!
باتت الأصوات المعارِضة في مصر تسمع في الآونة الأخيرة، وخصوصاً مع توسّع الحدود الإلكترونية وقدرتها على الإفلات من قبضة الرقيب. لكن تبقى الخشية من أن تسهم هذه المواقع في تنفيس غضب المواطنين المصريين فيكتفون بالثورة على «النت» بدل النزول إلى الشارع للاحتجاج والتغيير!
www.elkoshary.com