أولاً مارلون براندو ثمّ مارلين مونرو وأخيراً عمر الشريف. هؤلاء اعتبروا مهنتهم وضيعة وتافهة. لكن كيف يقوِّم نجوم الدراما السورية عملهم في ظلّ هذه التصريحات القاسية؟
وسام كنعان
لم يخفِ الممثل الأميركي مارلون براندو رأيه بعمله كممثِّل. صرّح أكثر من مرّة بأنّه يلعب ولا يمثّل. وأكّد براندو هذه النظرية في مذكراته التي أصدرها منتصف التسعينيات من القرن الماضي. يومها وصف مهنة التمثيل بأنّها تافهة ووضيعة. وهذا الوصف نفسه، كرّره منذ فترة النجم العالمي عمر الشريف، على شاشة «العربية» عندما قال: «التمثيل مهنة وضيعة لا ترتقي إلى مستوى أي مهنة أخرى». وأضاف أنّه لم يمتهن التمثيل، إلا لأنه كان فاشلاً في المهن الأخرى. كذلك الأمر بالنسبة إلى النجمة الراحلة مارلين مونرو، التي أوصت الفتيات بالابتعاد عن عالم الفنّ لأنّها دخلت هذا المجال وهي بريئة، ولكنّ الفنّ غيّرها وفقدت هذه البراءة.
لكن كيف يقوِّم نجوم الدراما السورية مهنتهم في ظلّ هذه التصريحات القاسية؟ «لعمر الشريف الحق في أن يقول ما قاله، وربما جاء رأيه ممزوجاً بما يعانيه من مرارة، في ظل غياب شبه مطلق للأخلاق ضمن هذه المهنة»، يقول النجم السوري غسان مسعود في حديثه مع «الأخبار». ويضيف: «أستطيع أن أفهم هذا الرجل بل أقدِّر استياءه ممّا يدور حوله. وقد يكون خلف هذا الرأي تعبير عن وجهة نظره التي يشوبها الإحباط، نتيجة ما يراه من ظواهر غير إنسانية». ويذهب مسعود أبعد من ذلك بقوله إنّه قد يشاطر عمر الشريف رأيه، «لقد أوصلتني هذه المهنة إلى الكفر، حتّى أنني وصفتها في إحدى المرّات بالمهنة القليلة الأدب، نتيجة تصرّفات بعض العاملين فيها. باختصار، لا قيمة للفن إذا لم يحمل العاملون فيه قيَماً توازيه».
لكن تطابق رأي مسعود مع تصريحات عمر الشريف، لا ينعكس بالضرورة على باقي الممثلين السوريين. هكذا يقف الممثّل سامر المصري، على الجهة المقابلة لهذه التصريحات. إذ يعتبر أنه لا يحق لأحد أن يصف مهنة التمثيل بأنها وضيعة أو قليلة الأدب. ويضيف أنه قبل أن يعطي أي كان رأيه بالتمثيل والممثلين، عليه أن يعيد صياغة بيت الشعر الشهير الذي قاله أحمد شوقي في المعلّم ليصبح «قم للممثل وفّه التبجيلا... كاد الممثل أن يكون رسولاً»! ويؤّكد أنّ الممثّل هو من يقود المهنة إلى المكان الصحيح، والوصف الذي ينطبق على المهنة، يأتي من خلال مسيرة كلّ فنان.
من جهته، لا يستغرب الفنان السوري عبد المنعم عمايري ما قاله عمر الشريف، «أرى أن الشريف وصل إلى النتيجة ذاتها التي وصل إليها الفنان العملاق مارلون براندو». ومع ذلك، يصف مهنة التمثيل بأنها أنبل مهنة «وأحقر مهنة في آن، كونها مهنة مضطربة تتطلب مجهوداً عقلياً ونفسياً كبيراً ولا يمكن العامل فيها أن يشعر بأي استقرار».

تصريحات عمر الشريف عن التمثيل تشبه إعلان بعض الفنانات لتوبتهنّ (نجيب نصير)
نتيجة لهذه النظرة، يرى العمايري أنّه يجب تصنيف التمثيل كثاني أصعب مهنة في العالم، بعد عمّال المناجم، مؤكداً أنّه من حقّ أي ممثّل صاحب خبرة طويلة وناجحة أن يقوّم التمثيل، وخصوصاً «نجم كعمر الشريف الذي وقف أمام أهم الأعمال في هذه المهنة على وجه الأرض». واللافت أنّ عمايري لا يستبعد أن يصل إلى النتيجة نفسها التي وصل إليها مارلون براندو أو عمر الشريف «لكنني لن أقولها بهذه الطريقة. لن أصف التمثيل بأنه مهنة وضيعة، بل أستطيع أن أخبرك منذ الآن أنني تواق إلى اللحظة التي أستطيع فيها أن أعتزل...». ولا ينسى الاستشهاد بمجموعة من الممثّلين «الذين اعتزلوا المهنة وهم في عزّ تألّقهم فقط لأنهم ضاقوا ذرعاً بما يحيط بهم».
ولكنّ الهجوم الأقسى على الشريف جاء على لسان الكاتب السوري نجيب نصير الذي يؤكّد أن تصريحات النجم المصري، دافعها الأول والأخير هو الفائدة المادية البحتة! ولا يتردّد نصير في تشبيه تصريح الشريف بإعلانات التوبة التي تقوم بها الفنانات عندما يقتربن من الاعتزال، «الطامة الكبرى أنّ هؤلاء يقضون عمرهم مروّجين للفنّ ومستلذّين بالمتعة الحرام. وهم يبشّرون بأهمية الفنّ ودوره في زيادة المصلحة العامة، ثمّ يتراجعون متناسين تاريخهم وأفكارهم التي لقمّونا إياها بالملاعق». ويختم نصير حديثه بالقول: «إن الأمم نهضت على جناح العلم والمعرفة، وكان الفن جناحها الثاني. ومن يقبل بالتخلي عن الفن، يمكن له أن يقبل بالتخلف».
هكذا يصل بعض نجوم الدراما السورية إلى نتيجة تجعلهم يلعنون مهنتهم نتيجة بعض القائمين عليها، فيما يستميت بعضهم الآخر بالدفاع عنها. لكن لعل تصريحات النجم العالمي عمر الشريف النارية ومن وافقوه الرأي تأتي رداً على أحد الممثلين السوريين الشباب الذي رأى أن التمثيل أجاد الاضطلاع بمهمة السلطة الرابعة في ظل عجز الصحافة عن تحقيق هذه الوظيفة.


مارلون براندو... بالعربي

ترك النجم الأسطورة مارلون براندو (الصورة) خلفه مجموعة كبيرة من الاعترافات والآراء التي لا تعرف أي مواربة أو دبلوماسية عن حياته الخاصة ومهنة التمثيل. وخصوصاً أنه كان من أكثر نجوم هوليوود وسامة وربما من أكثرهم جرأة في الحديث عن غرامياته. وبما أن النجم الأميركي كان يكره الظهور الإعلامي، فقد دوّن تفاصيل حياته في مذكراته التي كتبها في عامه السبعين. ومن ثم صدرت عام 1995 في كتاب حمل اسم «أغان علمتني إياها أمي». وقد بدأ الممثل والمخرج السوري سيف الدين السبيعي العمل حالياً على ترجمة سيرة براندو، إلى اللغة العربية.