حسين بن حمزةفي مجموعة «يقطع الليل بالسكين» (الغاوون)، وهي الثانية له بعد «مدينة سجينة»، يكتب فادي سعد شعراً منثوراً على سطور كاملة... تبدو قصيدة الشاعر السوري أكثر نثرية من الشكل المتداول لقصيدة النثر. ملاحظة تنطبق على مضمون هذه القصائد أيضاً ومكوّناتها وطموحاتها
ما نقرأه يتخلّى مسبقاً عن أسلحة الكثافة والاختزال وحساسية النبرة ونوعية المعجم اللغوي كتعويض عن غياب الوزن والإيقاع. قد يكون هذا التخلي سعياً تنظيرياً مُفكَّراً فيه، وقد لا يكون كذلك، لكن ما يهمّ هنا هو الحصيلة التي تصل إلى القارئ المطالب بإيجاد تأويل شعري لكل ما يقرأه. نقول: نصوص، لأنّها الصفة الأكثر ملائمةً هنا، مع الإشارة إلى أن هذا التوصيف لا يعني نفي شعرية هذه النصوص أو التضييق على حرية صاحبها في مقاربة الشعر بالطريقة التي يريدها.
بعد هذه الملاحظة الإجرائية، التي قد تبدو ضرورية للبعض أو نافلة لآخرين، نعود إلى المجموعة، لنقول إن هناك قصة أو حكاية في كل قصائد المجموعة. لعلّ العنصر الحكائي يفسِّر النثرية الزائدة فيها، إذْ غالباً ما تبدأ القصيدة بجملة تصلح مفتتحاً لقصة، ثم تُستكمل هذه الجملة بجملٍ أخرى تؤكد المذاق السردي فيها. «جلس رجلٌ على طاولة العشاء، يقطِّع ما تبقى من جسد الدجاج. بعدما انتهى من الأكل، قطع أحد أصابع يديه (قيل إنه الخنصر) وزرعه في حديقة المنزل ...»، هكذا تبدأ قصيدة «حلمٌ بالخلود». قصيدة أخرى تبدأ هكذا: «وقف رجلٌ ذو بدلة بيضاء أمام سرير مريضٍ يُحتضر...»، أو: «تربّع فوق ظهر سيارته القديمة، أمرها بالانطلاق، لكنها لم تقوَ على الحراك...». افتتاحيات كهذه تشتغل على نقل القارئ إلى الخاتمة التي من المفترض أن تشمل ببركتها الشعرية كل ما حسبه القارئ قصة أو نثراً مفرطاً. المشكلة أن هذه الطريقة في الكتابة متلازمة مع التضحية بسماتٍ جوهرية في هوية الشعر. لا نتحدث هنا عن تعريفٍ ساذج، جامع ومانع، للشعر يستبعد أي تجريب أو مغامرة. الفكرة هي أن الشعر يستدعي تفاصيل أو أجزاءً من هذه الهوية مهما كان حجم أو غرابة التجريب الذي يحدث فيه. أما البحث عن تأويلات تبرِّر أو تجمِّل الخروج من هذه الهوية، فهو مسعىً مقدَّر، لكن لا ينبغي أن يحدث باستسهال ومجانية.
أين المشكلة في أن تكون نصوص فادي سعد قصصاً جيدة؟ لماذا على الجميع أن يهزّوا رؤوسهم موافقين على شعرية كل ما يُطبع؟