غيبّت غبارَ المعارك الدائرة في المنطقة العربية، قضيةُ فلسطين. منذ سنوات، لم تعد فلسطين تتصدر المشهد الإعلامي العربي باستثناء قناة «الميادين» فضائياً. باتت تغطية انتهاكات المسجد الأقصى أو هدم منازل فلسطينيين خبراً هامشياً مقابل تصدّر باقي المعارك الدموية والصراعات العربية - العربية المشهد الإعلامي الحالي.
أول من أمس، اندلع ما اصطلح على تسميتها «الانتفاضة الثالثة» في الضفة الغربية وباقي المدن الفلسطينية المحتلة، رداً على استمرار انتهاكات الصهاينة والتضييق على المقدسيين، واستفزاز المستوطنين وإخراج عنصريتهم وحقدهم على العرب، ووقوع عمليات طعن نفذها فلسطينيان استشهدا لاحقاً على يد قوات الإحتلال الإسرائيلي. في أعقاب هذه التطورات، لم تكن الأصوات الإعلامية عالية لتقف سداً منيعاً أمام انتهاكات الإحتلال، بل أتت بعض التغطيات باردة بل منحازة. قناتا «الجزيرة» و»العربية» اللتان تتفقان على الملفين السوري واليمني حالياً، أصابهما شرخ إزاء تغطية أحداث فلسطين. ويبدو أن القناة السعودية مشغولة بملفات اليمن وإيران، والتدخل العسكري الروسي في سوريا. نظرة سريعة على موقعها الإلكتروني كافية لترينا التغييب التام للحدث الفلسطيني على حساب قضايا، قد تكون «أهم» بالنسبة الى النظام السعودي وانخراطه في صراعات دموية في المنطقة العربية.

رفضت «سي. بي. سي أكسترا» أيّ مزايدة في موضوع القضية الفلسطينية
هذا التغييب يضاف اليه التعاطي البارد مع ما يحصل اليوم في القدس وباقي المدن الفلسطينية. مثلاً، بثت القناة أول من أمس تقريراً لمراسلها زياد الحلبي عنونته «نتنياهو يعلن حرباً حتى الموت ضد الفلسطينيين» تضمّن سرداً للإجراءات التي يقوم بها الصهاينة في القدس، وبررتها القناة بأنها تأتي ضمن «إجراء عقابي أعقب عملية قتل مستوطنين». هذا التبرير لم يقف هنا، بل برزت وقاحة التقرير في وصف ما يحدث بـ «الهجمات الفردية التلقائية التي تستهدف المستوطنين» والقول بأن «السلطات الإسرائيلية لا تملك عملياً الردّ عليها أو القدرة على منعها» في خطوة منحازة تماماً الى الإحتلال الصهيوني.
في المقابل، كانت «الجزيرة» تستنهض همتها، وتضع جانباً باقي القضايا الحيوية في المنطقة، وتجنّد برامجها وتغطياتها في سبيل نصرة الشعب الفلسطيني. وكانت أذرعها الإلكترونية الافتراضية حاضرة، فيما جُنِّد طاقمها الإعلامي لمتابعة ما يحدث في القدس وإبراز الجوانب الإنسانية للشهداء الفلسطينيين مقابل فضح ممارسات الإحتلال والمستوطنين.
وبين الاختلاف الجذري في التغطية بين القناتين الخليجيتين، برزت سقطة قناة cbc xtra عندما بانت على شاشتها عبارة «استشهاد مستوطنين وإصابة 2 آخرين طعناً في القدس واستشهاد منفذ العملية». بقي هذا العنوان لمدة 3 ثوان، لكنه أشعل لساعات جبهة إفتراضية قاسية على وسائل التواصل الإجتماعي. حملة الكترونية عنيفة شنت ضد القناة المصرية مصدرها المواقع الإلكترونية القطرية بهدف التصويب على الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أكثر منه الحرص على القضية الفلسطينية. ووفق رئيس غرفة الأخبار في قناة cbc منار الدفتار، فإن ما حصل هو «خطأ تقني غير مقصود». وفي اتصال مع «الأخبار»، قال الدفتار إنّ سبب هذا الخطأ قيام الموظف الفني في القناة بنسخ حرفي للخبر الذي سبق هذا العنوان وكان يتضمن «استشهاد فلسطينيين» وجرى استبداله بـ «استشهاد مستوطنين»، رافضاً أي «مزايدة في سياسة القناة» تجاه القضية الفلسطينية.