وسط الأزمة المالية التي ضربت الولايات المتحدة، يطير راين بنغهام من ولاية إلى أخرى ليتكفل بطرد الموظفين. «محلِّقاً في الأعالي» لجايسن ريتمان يجسّد روح العصر!
زياد عبد الله
يحدّق جورج كلوني في الماعز فيقتله، إنها من خوارق الروحانيات التي وظّفها الجيش الأميركي في الحروب. بهذه الصورة رأيناه، مؤدياً دور لين كَاسادي، في «الجنود الذين يحدقون في الماعز» (2009). في عام 2007، أدى دور محام خاص اسمه «مايكل كلايتون» الملقب بـ«المنظف»، لأنه ينظف المؤسسات والأثرياء من بقع قد تسيء إلى صورتهم، حتى وإن كانت تلك العملية كافية لقتل البشر وتدمير حياتهم. دور كلوني الجديد، في Up in The Air الذي نزل أخيراً إلى الصالات اللبنانيّة، قد يقع بين غرائبية شخصية كاسادي، ومسالك الشركات الرأسمالية في دور كلايتون. يجسّد كلوني هنا شخصيّة راين بنغهام الذي جعل من الطائرة بيته، إذ يعيش متنقّلاً بين ولاية أميركية وأخرى ليتولّى طرد الموظفين. هذا هو عمله: الاسترزاق من خلال قطع أرزاق الآخرين! إنّه أشبه بحفّار قبور، يعيش من موت الآخرين إن صح التعبير. يذكرنا ذلك بأجواء شريط المخرج أورين موفرمان «الرسول»، حيث تقتصر مهمة الضابطين في الشريط، على تبليغ عائلات الجنود الأميركيين بوفاة أولادهم أو أزواجهم. «محلِّقاً في الأعالي» الذي أخرجه جايسن ريتمان عن رواية لوولتر كيرن، يسلط الضوء على أهم ما يواجهه العالم في هذه الفترة عموماً، وخصوصاً الولايات المتحدة، ألا وهو تسريح العمال والموظفين.
تتحوّل الأرقام المتواصلة والمتزايدة لعمليات التسريح تلك إلى الشأن الناظم للفيلم. تضعنا شخصية راين، وما يمليه عليه عمله، وجهاً لوجه أمام عشرات الأشخاص وردود فعلهم، وهم يتلقون نبأ الاستغناء عن خدماتهم في عمل بذلوا عمرهم في خدمته. راين ابن عمله وعصره تماماً، يروّج لفلسفة «حقيبة الظهر»... عليك أن تضع فيها كل الأشياء التي تربطك بالمكان وتحرقها: لا زوجة ولا أولاد، لا أربعة جدران إلا في غرف الفنادق، وطموحه الأكبر يتمثل في جمع 16 مليون ميل جويّ.

سيناريو مميز وكوميديا ناجحة تلعب على الواقع الاقتصادي المأساوي
إنها حياة كاملة عليه أن يواصلها في الأجواء، وتحديداً في عام 2009، أي «الفترة الذهبية» لأعماله كما يقول له مديره. إنه قدره أن يبقى يطرد الموظفين وجهاً لوجه من دون أن ينجح في استخدام برنامج ناتالي (آنا كندريك) القاضي بالتواصل التفاعلي عبر شاشة الكومبيوتر مع الموظف المطرود، وإبلاغه بقرار شركته عبرها. نتالي تتعامل مع كل شيء علمياً وبدم بارد، إذ تستخدم معارفها وتفوقها وذكاءها، ولا شيء إلا ذلك. لكنها تتلقى في النهاية رسالة نصية من صديقها يخبرها فيها بأنه هجرها، لتقدم استقالتها أيضاً من خلال رسالة نصية بعد اكتشافها أنّ إحدى الموظفات التي أبلغتها بقرار طردها من العمل قد انتحرت.
راين نفسه يوحي بأنه في صدد أن يتغير جراء حبه لألكس (فيرا فارميغا)، لكن سرعان ما يعود عن هذا التغيير. رغم الواقع المأساوي الذي يرصده الفيلم، إلا أنّ الكوميديا لا تفارقه، على هدى سيناريو وحوار مميزين.


«سينما سيتي» (01/899993)، «أمبير غالاكسي» (01/544051)، «غراند لاس ساليناس» (06/540970)، «غراند سينما abc» (01/01/209109)، «غراند كونكورد» (01/343143)