strong>ليال حداد قبل عامَين تقريباً، تمخّض اجتماع وزراء الإعلام العرب عن «وثيقة تنظيم البثّ الفضائي»، التي رفضها كلّ من لبنان وقطر. كانت هذه هي المحاولة الرسمية الأولى ـــــ أقلّه بهذا الشكل الواضح ـــــ لتدجين الإعلام العربي ومحاصرته. غير أنّ هذه الوثيقة لم تجد طريقها إلى التطبيق، بعدما اعترضتها أصوات المحتجين على عملية كمّ الأفواه. وها هم وزراء الإعلام العرب، يجتمعون مجدداً، ولكن هذه المرة لمناقشة قضايا إعلامية عدّة، أبرزها مشروع قرار الكونغرس الأميركي بمعاقبة الأقمار الاصطناعية التي تبثّ قنوات «إرهابية». وكان على الطاولة أيضاً، مشروع تقدّم به الأمين العام لجامعة الدول العربية، عمرو موسى، في محاولة جديدة لتضييق الخناق على الإعلام العربي، وهذه المرة تحت عنوان آخر: «مفوضية الإعلام العربي». لكن المجتمعين قرّروا تأجيل مناقشة الموضوع إلى جلسة استثنائية يعقدها الوزراء لاحقاً.
بعيداً عن النقاشات في الغرف المغلقة وبين الوزراء، وبعيداً عن النيات المعلنة وتلك المبطّنة، ما هو موقف الإعلاميين من هذين البندَين؟ وكيف تنظر المؤسسات الإعلامية إلى المحاولات المتكرّرة لفرض رقابة عليها، إن كان من الكونغرس أو من وزراء الإعلام العرب؟
«المنار»، المعنية مباشرة بمشروع القانون الصادر عن الكونغرس، ترى أنّ خروج قرار موحّد عن الوزراء أمر مهمّ، «وقد التمسنا إيجابية كبيرة أثناء اجتماعات اللجنة الدائمة التمهيدية، لاجتماع الوزراء»، يقول مدير العلاقات العامة في المحطة إبراهيم فرحات. فرحات يرفض الحديث عن مبدأ المعاملة بالمثل ومنع بثّ قنوات أميركية في الوقت الحالي «لا يزال الوقت مبكراً للحديث عن هذا الموضوع».
موقف مدير الأخبار في قناة «nbn»، عباس ضاهر، لا يختلف كثيراً. ويرى أن مشروع القرار مخالف لحرية الرأي والتعبير، وهو بالتالي غير مقبول.
من جهته، يبدو مدير الأخبار والبرامج في «العربية»، نخلة الحاج، أكثر واقعية. يرفض التضييق على الإعلام تحت أي شعار «رغم أننا لا نوافق على كثير من المواد المعروضة التي تحرّض على الإرهاب والعنصرية».
مدير الأخبار في قناة «MTV» غياث يزبك يذهب أبعد من ذلك، حين يقول: «أنا كنت أوّل من دعا في الاجتماع الأول للمجلس الوطني للإعلام المرئي والمسموع إلى معاملة الولايات المتحدة بالمثل. كذلك طالبت بنشر إعلانات في وسائل الإعلام الأميركية، لتعريف القارئ الأميركي المستغبى والمغيّب بحقيقة ما يجري في العالم العربي». وأعرب عن تخوّفه من أن تكون مفوضية الإعلام في حال إقرارها «وجهاً آخر لتطبيق القرارات الأميركية، فما يفشل به الكونغرس، تطبّقه المفوضية».
وأيضاً في الإطار الرافض لقرار الكونغرس، تتحدّث مديرة الأخبار في قناة «الجديد»، مريم البسام، عن موقف لبنان الموحّد من هذا الموضوع، «للمرة الأولى، يكون وزير الإعلام طارق متري حاملاً موقفاً واحداً وواضحاً من الجهات المعنية في لبنان، وبالتالي فإنّنا نستبشر خيراً بضغط عربي يمنع صدور هذا القانون».
وفي شأن مشروع موسى للمفوضيّة العربية للإعلام، يقول مدير مكتب «الجزيرة» في بيروت، غسان بن جدو: «مهما كانت النيات الحسنة لعمرو موسى، نحن الإعلاميين لا نفرح كثيراً بالهيئات الإعلامية العربية الرسمية»، مؤكداً أن «فاقد الشيء لا يعطيه. أعتقد أن معظم الوزراء العرب غير مؤهلين ليشرفوا على الإعلام العربي الحرّ والمستقلّ».
يدرك بن جدو أنّ أي عملية لفرض رقابة على بعض المحطات العربية «المشاغبة»، ستطاول حتماً القناة القطرية: «منذ تأسيسها، تتعرّض «الجزيرة» لحملات متتالية من أكثر من نظام عربي. غير أننا لم نعد مهتمّين بذلك، وهو ما يثير غضب بعض الجهات الرسمية العربية».

غسان بن جدو: معظم الوزراء العرب غير مؤهلين للإشراف على الإعلام الحرّ والمستقلّ

لا يختلف موقف مريم البسام، عن موقف بن جدو، إذ ترى مشروع المفوضية ووثيقة «تنظيم البثّ الفضائي» وجهين لعملة واحدة تهدف إلى فرض رقابة إضافية على وسائل الإعلام. وتؤكّد أن «الجديد» يشجّع كل الآليات التي تهدف إلى زيادة التنسيق بين وسائل الإعلام العربي، «لكن يبدو أن هذه ليست مهمة المفوضية الجديدة».
رفض فرض رقابة جديدة، يبدو قاسماً مشتركاً مع نخلة الحاج (العربية)، الذي يؤكّد أنّ الرقابة على الإعلام مرفوضة بغضّ النظر عن مصدرها «إن كان الكونغرس أو وزراء الإعلام العرب أو أي شخص. نحن مع حرية الإعلام». كذلك الأمر بالنسبة إلى مدير الأخبار في «أخبار المستقبل» عماد عاصي الذي يقول إن محاصرة الإعلام أمر غير مقبول، «لكن علينا أولاً أن نعرف ما هو دور هذه المفوضية». غير أنّ إبراهيم فرحات (المنار)، يبدو أكثر اطلاعاً على مضمون مشروع المفوضية، مفنداً الأخطاء التي تشوبها، أبرزها تعارضها مع هيئات رسمية إعلامية أخرى. ويعود فرحات إلى ميثاق الشرف الإعلامي الذي أقرّ عام 2002، ويجده كافياً «وخصوصاً أنه لا يمكن تعميم نموذج موحّد بين الإعلام العربي بسبب تفاوت مستوى الحريات. لذلك نحن ننادي بمرجعية دولة المنشأ، أي إن كلّ دولة تكون مسؤولة عن إعلامها».