ملصقات ممزقة، جدران عفنة، ونوافذ مكسّرة، تملأ لوحات المعرض الذي أرادته التشكيلية اللبنانيّة مرثيّة للحاضر الهجين
سناء الخوري
«لحظة هشة»... هكذا عنونت ريما صعب (1968) لوحتها ذات الخلفيّة الرماديّة. امرأة تعبر الشارع، وتلتفت كمن أحس بخطوة تتعقّبه. لمحتها الصارمة، وتجاعيدها، وسترتها العتيقة، تجعلها أكثر من عابرة في شارع مونو البيروتي... إنّها جزء من ذاكرة المكان. تتخذ التشكيليّة اللبنانيّة من رسم جدران ذلك الشارع، ذريعة لتجسيد ذاكرته. في معرضها الفردي الثاني «شارع مونو»، تستلهم أستاذة التشكيل والـ Digital Media في «جامعة سيدة اللويزة»، نظريّة المعلم الروسي كاندينسكي، في «البحث عن ذاكرة اللوحة، بعيداً عن شكلها المرئي»، كما تقول. 15 لوحة بعضها رسم بالزيت والأكريليك على قماش، وبعضها مشغول بمواد وتقنيات مختلفة يتصدرها الكولاج، تلفتك للوهلة الأولى بلمستها الواقعيّة. أرقام المنازل الزرقاء، والملصقات، والقنطرة المردومة، تجتمع كلها لتوثّق حياة «مونو». وتضيف الفنّانة إلى معرضها 15 صورة فوتوغرافيّة (طباعة رقميّة)، يجسّد معظمها الهدم المنهجي للبيوت القديمة. يضيف اختيار الألوان لمسة من الحزن والحنين إلى ذلك الطابع التوثيقي. من تدرجات الجدران الباردة

كولاج مباشر عن جشع المستثمرين العقاريين


بين أزرق ورمادي، إلى الطلاء المهترئ، إلى النوافذ المكسّرة، كلها لمحات من الماضي المقموع تحت وطأة الحاضر. في لوحة «مونة»، ترسم صعب لافتات زيت الزيتون، والصابون، والمربى والخل والنبيذ، وفي أسفلها تدسّ نقلاً غير محايد للافتة كتب عليها «صنع في تايوان». في استخدام حِرَفي لتقنية الكولاج، تكدّس ملصقات الحفلات وإعلانات بيع الشقق، والملصقات الانتخابيّة الممزقة... كلّ هؤلاء مرّوا من هنا. نقلها الوفي لنبض الشارع ونفَسِه، لا يمرّ من دون شغل على التأويل، كما في لوحة «فساد». ها هي تعلّق على حبل غسيل، ورقة عملة من فئة المئة ألف ليرة إلى جانب ملابس داخليّة. الكولاج المباشر، يطرح علاقة الذاكرة بجشع المستثمرين في مجال العقارات. أليس هناك إشارة أيضاً إلى غسل الأموال... وربّما غسل الذاكرة في المصاف الأخير.

حتّى 20 شباط (فبراير) المقبل ـــــ «المركز الثقافي الفرنسي» (طريق الشام / بيروت) ـــــ للاستعلام: 01/420200


موقف شخصي

أمضت التشكيليّة اللبنانيّة في شارع مونو عقداً من الزمن، تراقب حركة أهله وجامعاته، وليالي السهر فيه، ومسارحه، ومطاعمه. معرضها يغرف من مخزون التجربة الشخصيّة، في علاقتها الذاتيّة بالمكان، ويتحوّل إلى موقف صريح من اجتياح الاستثمار العقاري لهذا الحيّ، والانتهاكات المتواصله لطابعه المعماري العريق. التشكيلية التي بدأت مسيرتها الأكاديميّة من هندسة الاتصالات، ثمّ استتبعتها بدراسة الفنون الجميلة، بحثت عن علامات الزمن الظاهرة على شارع كان «خط تماس» خلال الحرب الأهليّة، وتحوّل بعدها إلى جنة السهر وعالم الليل. عملها على ذاكرة الأماكن هو من السمات الأساسيّة في تجربتها كما تجلّت، العام الماضي، في معرضها الفردي الأول «الطبيعة والذاكرة الجماعيّة». بوادر أساسيّة في تجربة تبدو على علاقة وثيقة بجدران بيروت، كشاهد صامت على حياة المدينة.


فاسيلي كاندينسكي

فاسيلي كاندينسكي (1866 ـــــ 1944) يحوم حول لوحات المعرض الجديد لريما صعب. إنّه أحد أبرز منظّري الفن التجريدي، مطلع القرن الماضي، لم يعرف المجد إلّا بعد وفاته... دخل التشكيلي الروسي معترك الفن متأخّراً، بعدما درس الحقوق والاقتصاد، قبل أن يصبح أحد أبرز المحاضرين في مدرسة «باوهاوس» في ألمانيا، التي عاد فأقفلها النازيون. انتقل للعيش في فرنسا حتّى وفاته. في باريس منتصف الثلاثينيات، لم تلقَ أعماله شهرةً، وخصوصاً أنّ التكعيبية والانطباعيّة كانتا موضة الحقبة. صاحب «عن الروحانيّة في الفن والرسم خصوصاً»، فصل بين أثر اللون الفيزيائي المباشر على العين، والانطباع العميق الذي تتركه اللوحة في نفس المتلقي. ذلك الصدى الداخلي للوحة، هو بدعة كاندينسكي الذي وضع، عام 1910، الملامح الأولى للتجريد من خلال عمله Composition VII.