كامل جابررغم مقاطعته السياسة منذ أربعة أعوام تقريباً، لم يفارق حبيب صادق الحياة الثقافية. بقي يهندس تحت خيمة «المجلس الثقافي للبنان الجنوبي» لمعرض فني أو لقاء ثقافي. بعدما أشرف على جمع كتاب «عرف الولاء» وتحقيقه لوالده العلامة عبد الحسين صادق عام 2005، وديوان والده الشعري «سقط المتاع» (2007) ومراجعة وتقديم «في أدب العراق الحديث» لشقيقه عبد الرضا صادق (2009)؛ ها هو يصدر كتابه «في وادي الوطن ـــــ مقاربات في شؤون لبنان وشجونه» (دار الفارابي).
العمل مجموعة مقالات ودراسات نُشرت في الصحف اللبنانيّة، ومحاضرات ألقاها صادق على المنابر الثقافية بين الأعوام 1995 و2005. العنوان والمحتوى يؤكدان منحى الكتاب السياسي. نحن هنا أمام مغامر مخضرم بين الثقافة والأدب والسياسة، وما بينها من تقاطع اجتماعي. رجل عاصر خيبات كانت حافلة بـ«الثنائيات المتناقضة» ـــــ حسب تعبيره ـــــ راوح بين الأمل والانكسار، الفرح والحزن، التفاؤل والتشاؤم، والنجاح والفشل. خيبات دفعته إلى اعتزال الممارسة السياسية والإبقاء على المقاربات الثقافية، بعد فشل تجربة «المنبر الديموقراطي» الذي تقهقر بعدما «عصفت به رياح التحالف الرباعي العاتية، إبان الانتخابات النيابية التي جرت عام 2005»، وسقوط «...كل ما أجمع عليه المؤسسون الأوائل للمنبر، من مبادئ وأهداف ونهج عمل وخطاب سياسي»، وفق ما جاء في مقدمة الكتاب. لهذا، يخصّص صادق كتابه ليسرد عقداً كان مليئاً بالتطورات على الصعد المحلية والإقليمية والدولية.
يعود حبيب صادق هنا إلى مواضيعه الأثيرة، ويطرحها في خمسة فصول هي: فصل في الثقافة وأهلها وهيئاتها الفاعلة؛ فصل في السياسة الراهنة وتلاوينها المختلفة؛ فصل في العدوان الإسرائيلي وسبل مواجهته؛ فصل في الطائفية وسبل مقاربتها؛ وفصل أخير في الانتخابات النيابية، قانوناً وتطبيقاً وتداعيات...
تحت عنوان «المثقفون ومنابر السلطان»، يحمل حبيب صادق على «حمى التسابق الذي تلجأ إليه أنظمة الحكم العربية لاستدراج المثقفين العرب إلى المشاركة في أعمال المؤتمرات أو الندوات أو الاحتفالات التي تُكثِر من الدعوة إليها، سافرة أو مقنعة من إدارات هذا النظام العربي أو ذاك». ويقول: «لعلَّ هذا الأمر يشفع لي، عند المثقفين تعييناً، في مساءلتهم عن موقفهم الحقيقي من هذه الظاهرة المتفشية في دنيانا العربية، أعني ظاهرة المؤتمرات الثقافية الاحتفالية التي تتسابق على ترويجها أنظمة الحكم المعروفة ليس رغبة منها في معالجة الواقع العربي مما يكابده من أوصاب مستفحلة، ومن أزمات مستعصية (...)، بل لاستيعاب صوت المثقف وامتصاص غضب المواطن المقهور، ليسعها، بالتالي، صرف الأنظار عن رؤية قبائحها الناجمة عن طبيعتها الاستبدادية وعن تبعية انقيادها الذليل لمراكز القوة من الخارج».
يوثّق صادق نصوصه من الأقرب إلى الأبعد، ويجعلها وثائق بتصرّف التاريخ، «ليس لكونها ذات وزن ثقيل في ميزان القيمة الأدبية أو الفكرية أو الثقافية، بل لكونها تمثّلني، رأياً وموقفاً، أمام تلك الأحداث والمتغيّرات والتحديات التي حفلت بها تلك الحقبة، بسنواتها العشر، من تاريخ لبنان المعاصر» كما يكتب.