بيار أبي صعبيبدأ العرض بأغنية شهيرة لجاك بريل عن البورجوازيّة. أبناء البورجوازيّة مازوشيّون، يحبّون الفنّان الذي يجعلهم يضحكون على أنفسهم، ويتركهم يظنّون أنّهم يضحكون على الآخرين. بهذا المعنى، فإن أهل ذلك الحي البيروتي العريق قد وجدوا «نبيّهم» في جو قديح. وإلا فكيف نفسّر الإقبال الذي شهده «أشرفيّة»، عرضه المنفرد Stand-up comedy الذي يقدّم للمرّة الأخيرة الليلة وغداً على خشبة «مسرح مونو»؟ هناك أيضاً شخصيّة هذا الحكواتي المعاصر، وحضوره، وسرعة بديهته، وقدرته على التقاط نبض الصالة ـــــ وترويضها إذا دعت الضرورة ـــــ إذ يمدّ إليها مرآة مضخّمة تعكس مفارقاتها وعيوبها وخصالها الغريبة. النقد هنا يصبّ في خانة التفريغ والترفيه، أكثر منه في خانة التغريب أو التحريض الذي يسعى إلى التغيير عبر خلق صدمة الوعي لدى المتلقّي... ما همّ! فنحن أمام «مشخصاتي» سيكون له شأن على الخشبة اللبنانيّة في السنوات المقبلة. على ذكر «التغريب»، تجدر الاشارة إلى حضور المعلّم البريختي جلال خوري في «أشرفيّة»، شريكاً في ضبط بعض التفاصيل الفنيّة.
النقد يصبّ في خانة التفريغ أكثر منه في خانة التحريض على التغيير
جو قديح «كوميك» أو مونولوجيست من زماننا، أدخل في حسابه ما طرأ من تغيير على التقنيات والعادات والعقليات والسلوكيات. عمله السابق «حياة الجغل صعبة» حمل سمات أسلوبه الكوميدي المباشر الذي يعلّق ساخراً على واقع اجتماعي مريض بالظواهر الفارغة، والسطحيّة الاستهلاكيّة، وعلى فصام أساسي بين ما نحن عليه وما نحبّ أن نكون. العمل الجديد يذهب في الاتجاه نفسه. «الأشرفيّة البداية...»، هذا الحي الذي تهدم بيوته الجميلة لتحل مكانها الأبراج. ازدواجيّة أهلها واستلابهم وضياعهم في قالب كاريكاتوري مضحك. جو قديح يتقمّص الشخصيات ويمثّل المقالب والحكايات. يسخر من كل شيء، من مدام «كارا» ومدام «أكرا». يشدّك بمرونة جسده وخفّته الهزليّة، وبإحالاته الكثيرة، إذ يلعب على الكلمات والعبارات المتداولة والماركات والأمثال. يغمز الصالة، ويمد لسانه للعالم كصبي شقي. هذا السوسيولوجي الذي راقب الظواهر ودرس الأطباع قبل أن يستحضرها في عرضه، يعيد الاعتبار إلى شكل خاص من أنواع الفرجة، قد تكون له، إذا شئنا، أبعاد سياسيّة واجتماعيّة خطيرة.


«أشرفيّة» ـــ عرضان أخيران الليلة وغداً عند الثامنة والنصف ليلاً في «مسرح مونو» (بيروت) : 01/202422