بيار أبي صعبكل محاولة جديدة لتسليط الضوء على الانتهاكات الفظيعة التي تتعرّض لها حريّة التعبير في العالم العربي، هي في النهاية مبادرة حميدة تستحقّ التحيّة. لكنّ ذلك لا يمنعنا من طرح بعض الأسئلة على هامش المؤتمر الذي نظّمه مركز «سكايز» على عجل، نهاية الأسبوع الماضي، في أحد الفنادق البيروتيّة، بشأن «الرقابة على الإعلام في الدول العربية ودول حوض المتوسط». كل يوم نكتشف جمعيّة جديدة للدفاع عن حريّة التعبير، بتمويلات مختلفة، غربيّة غالباً... من دون أن نعرف من أين أتت، وإلى أين تتجه تماماً. الخوف هو من تشظّي المواجهة إلى مبادرات عابرة، غير متكاملة في ما بينها، لا تأخذ في الاعتبار المسيرة الطويلة التي تخوضها مؤسسات وجمعيّات جادة في المشرق والمغرب على السواء، منذ عقود. الخوف الآخر طبعاً هو توظيف معارك محقّة وشرعيّة في خدمة أجندات ملتبسة، أو غير ظاهرة للعيان في أقلّ تقدير. ليس في الأمر نقد مباشر لمبادرة المؤسسة التي تقودها جيزيل خوري، الإعلاميّة في محطّة «العربيّة» السعوديّة، تحت شعار معالجة أشكال الرقابة على الثقافة والإعلام، إذ يكفي أن تكون أفسحت المجال لناشطين من تونس ومصر، على سبيل المثال، كي ينقلوا للرأي العام أوضاعهم الصعبة، فضلاً عن فضح وصاية جهاز الأمن العام على الإبداع والتفكير في لبنان... كي تستحق المتابعة والاهتمام. لكن لا بأس من التنبيه أيضاً من أن موضة «الدفاع عن حريّة التعبير» قد تسيء إلى تلك الحريّة، إذا تحوّلت مجرّد تفريغ كلامي يعفي من خوض الصراع الحقيقي، وراحت تستهلك الأوجاع والشعارات والمصطلحات، وتوظفها في لعبة استعراضيّة مناسباتيّة.

موضة «الدفاع عن حريّة التعبير»، قد تسيء إلى تلك الحريّة...
من هنا ضرورة التمييز بين فورة عابرة لا تستند إلى أرضيّة صلبة، وتحرّك جماعي، تعدّدي، طويل النفس، من شأنه التواصل مع مختلف الهيئات والجمعيّات العربيّة والدوليّة التي راكمت تجارب ميدانيّة، وبنت شبكات تعاضديّة وبنوك معلومات وخبرات قانونيّة وإعلاميّة، وحققت إنجازات ملموسة جعلتها مرجعاً في هذا المجال، قادراً على ممارسة ضغوط جديّة على الأنظمة العربيّة المستبدّة، والديموقراطيّات الغربيّة التي تحميها وتغضّ النظر عن ممارساتها القمعيّة المتعارضة مع شرعة حقوق الإنسان.
هل اختارت «سكايز» انخراطاً حقيقياً، على المدى الطويل في تلك المواجهة، حاملةً الإعلام والإبداع على كفّ واحدة؟ هل استندت إلى ما قيل وكتب وجمع وأنجز قبلها، في مجال مواجهة الرقابات العربيّة المختلفة؟ هل تعمل مع جمعيّات ومؤسسات معروفة سبقتها في هذا المجال؟ هل قامت بإحصاء أوّلي متوازن لممارسات الرقابات العربيّة خلال العقد الحالي: من السعوديّة والكويت... إلى المغرب والجزائر؟ لماذا اختارت «دول حوض المتوسّط» إطاراً جغرافيّاً، بدلاً من العالم العربي والإسلامي مثلاً، بهدف الانفتاح على اليونان وتركيا والبوسنة وألبانيا؟ أسئلة كثيرة ننتظر الإجابة عنها في الأشهر المقبلة...