صحافيون ومثقّفون اجتمعوا في مؤتمر «الرقابة على الإعلام في الدول العربية ودول حوض المتوسط» وتحدّثوا عن الأشكال المختلفة التي تعتمدها السلطة لمحاصرة حرية التعبير
ليال حداد
من فلسطين إلى تونس، ومن مصر إلى سوريا ولبنان... شقاء الإعلاميين العرب واحد، ولو تبدّلت أشكاله. هذا ما يمكن إستنتاجه من مؤتمر «الرقابة على الإعلام في الدول العربية ودول حوض المتوسط» الذي نظّمه مركز «سكايز» يومَي الجمعة والسبت الماضيين في فندق «ريفييرا» (المنارة ـ بيروت). رغم أنّ ما قاله المحاضرون في الجلسات الستّ لم يكن جديداً، خصوصاً أنّ عدداً من الشهادات المشابهة عُرض في أكثر من لقاء حول حرية الإعلام في العالم العربي، إلا أنّ مشاركة ضابط من الأمن العام اللبناني في إحدى الجلسات والضجة التي غالباً ما يثيرها التونسيون في لقاءات مماثلة، عاملان أضافا نوعاً من الإثارة على الحوارات. غير أنّ هذه الحماسة للدفاع عن الحريات إنتهت مع الجلسة النهائية، من دون تقديم خطة عمل تستكمل ما بدأه المؤتمر، من إستعراض للتجارب العربية، ومن دون الإتفاق على التنسيق بين «سكايز» ـ الوافدة حديثاً إلى عالم الدفاع عن الحريات ـ وباقي المؤسسات والمنظمات التي تعمل في هذا القطاع منذ عشرات السنين. ما سيحوّل هذا المؤتمر في أحسن الأحوال، إلى لقاء يشبه عشرات اللقاءات التي تعقد في بيروت.
وبالعودة إلى الجلسات، فقد قُسّمت الرقابة إلى ستة أنواع: الرقابة السياسية ثمّ الثقافية والمالية، والرقابة الدينية وتلك التي تُمارس على الإنترنت وأخيراً الرقابة الذاتية. وتنوّعت جنسيات المتحدّثين الذي روى كلّ منهم الوسائل الجديدة التي تنتهجها الأنظمة في تضييقها على الإعلام.
من لبنان البداية ــ هذا البلد الذي يبدو معقلاً للحرية ــ ومتنفساً لكثيرين يهربون إليه لإنتقاد حكوماتهم ــ فاجأ الجميع بحجم الرقابة «المستترة» التي تحاصر صحافته ومثقّفيه، تحت حجة «تهديد السلم الأهلي». ولعلّ مداخلة المخرج سيمون الهبر ـ الذي حذف الأمن العام خمس دقائق من فيلمه «سمعان بالضيعة» ـ ومديرة سينما «متروبوليس أمبير ــ صوفيل» هانية مروّة، كانت الدليل الواضح على هذه الرقابة.
هكذا، لم يتردّد الهبر من مواجهة الضابط ريمون خطّار، متّهماً الأمن العام بخرق القانون اللبناني. كما عرض في اللقاء الدقائق الخمس التي حذفت من «سمعان بالضيعة». من جهتها، عدّدت مروّة الأفلام التي لم تعرض في لبنان بسبب الرقابة ومنها شريط الراحلة رندا الشهّال «متحضِّرات» الذي طالب جهاز الرقابة بحذف 40 دقيقة منه!
أما الشاعر عباس بيضون، فتحدّث عن نوع جديد من الرقابة هي «ثقافة المحو والحذف، فكلّ ما لا يناسبنا، يتحوّل إلى موضوع غير موجود لا إسم له... إنها ثقافة اللا مسمّى».
أنواع الراقبة هذه، تتخذ أشكالاً مختلفة في تونس. هذا البلد الذي تحوّل إلى نجم اللقاءات التي تناقش حرية الإعلام. وحين إستعرض الصحافي التونسي المستقلّ لطفي حاجي الوسائل التي يلجأ إليها النظام بهدف تضييق الخناق على الإعلام المستقلّ والمعارض، إعترض رجلان من الحضور وهاجماه، نافيين عنه صفة الصحافي. وتبيّن لاحقاً أنهما من «نقابة الصحافيين التونسيين» التي إنقلبت على النقابة المستقلة بتحريض من السلطة.
الواقع الإعلامي في فلسطين لا يختلف عن باقي الدول العربية. لكن الرقابة هنا مضاعفة. في الضفة الغربية مثلاً، يضيّق الإحتلال الإسرائيلي الخناق على الصحافيين كما أوضحت مراسلة «سكايز» في الضفة نائلة خليل، إلى جانب التضييق الذي تمارسه السلطة الفلسطينية على الإعلاميين خصوصاً المقرّبين من حركة «حماس». والخطير أنّ الإعتقال يتمّ على أساس أمني، وبالتالي تتمّ محاكمة الصحافيين في المحكمة العسكرية. ومن فلسطين أيضاً، تحدّث مدير «المسرح الوطني الفلسطيني» جمال غوشة عن التضييق الإسرائيلي الممارس على النشاط الثقافي داخل القدس المحتلة. علماً بأنّ غوشة متهمّ بالإستئثار بإدارة المسرح، وبفرض بدلات مالية مرتفعة على الفنانين الفلسطينيين الذي يرغبون بإستعمال المسرح.

غاب الخليج الذي يشهد أكبر انتهاكات لحرية التعبير
هكذا، تطول لائحة الإنتهاكات التي يتعرّض لها الإعلاميون والمثقفون في مصر والأردن والسودان وسوريا. وسوريا تحديداً، كان لها حصّة كبيرة في اللقاء. كما جرت العادة، إنتقد «سكايز» غياب المحاضرين السوريين الذين دعوا إلى اللقاء «لأسباب نتحفّظ عن ذكرها» كما قالت دينا أبي صعب من «سكايز». ورغم فتح الباب لإنتقاد النظام المصري من قبل جمال عيد المسؤول في «الشبكة العربية لحقوق الإنسان»، إلا أن الجلسات إفتُتحت بتوجيه تحية إلى السلطات المصرية التي سمحت لمراسل «سكايز» في غزة بالتوجّه إلى بيروت! فيما غاب ذكر الإعلاميين الممنوعين من دخول القطاع بسبب الحصار المصري.
لكن لحظة. إنتهى المؤتمر دون أن نسمع شهادة أي صحافي خليجي. تلك البقعة من العالم العربي التي تشهد أكبر إنتهاكات لحرية التعبير، كما أن الإنفتاح المفاجئ على المغرب العربي، توقّف عند حدود تونس من دون أن يمتدّ إلى الجزائر أو المغرب التي تعيش أسوأ أيامها في مجال الحرية.