سناء الخوري يكرّر مازن كرباج مقولة فرانسيس بايكون الشهيرة: «رؤية الآخرين لفنّي ليست مشكلتي. إنّها مشكلتهم». وهو يرى أن العمل الفنّي يموت لحظة انتقاله من حرفة يصنعها الفنان لمتعته، إلى فرجة تحمل المتعة إلى المتلقّين. الرسام والموسيقي اللبناني يسافر اليوم إلى العاصمة البلجيكيّة للاشتراك في مهرجان «زمن الصور» Temps d'images الذي يستضيف عدداً من الفنّانين والكتاب العرب، مثل: لينا صانع وطارق حلبي وربيع مروّة وإلياس صنبر وجوانا حاجي ـــــ توما وخليل جريج ونصيرة بلعزّة. «لا تطعم الفنان» هو عنوان العرض الأدائي الذي يقدّمه مازن في فضاء Les Halles de Schaerbeek (بروكسيل). يسائل زميلنا فكرة الخلق من أساسها، ومكانة الفنان «كشبه إله، وطفيلي، ومخلوق غريب الأطوار».
العرض ينطلق غداً، ويستمرّ حتى 12 كانون الأول (ديسمبر) الجاري، في فترة زمنيّة هي حصّة بلجيكا من «زمن الصور» الذي انطلق في ضواحي باريس، وعرّج على روما، ولشبونة، واسطنبول... وسيزور لاحقاً مدناً ألمانيّة.
سيسجن كرباج نفسه في قفص زجاجي وينصرف إلى الرسم ثمانية أيام. سيمارس في غرفته السريّة، مختلف مراحل إنجاز العمل الفنّي، متيحاً للزوّار رؤيته وهو في قمّة «الحالة». أمّا الهدف، فتغطية جدران المكعّب الزجاجي، وسقفه وأرضيّته بالرسوم. أي أن العرض لن يكتمل إلا يوم نهايته: إذ ذاك تنزع الأعمال في اليوم الأخير، كجزء من الأداء أيضاً.

يسائل زميلنا فكرة الخلق، ومكانة الفنان «كشبه إله طفيلي، غريب الأطوار»

في عبارة «لا تطعم الفنان»، يسخر كرباج من نفسه أولاً. يحوّل نفسه إلى مادّة للفرجة، وفضاءَ الفن المعاصر إلى شبه «حديقة حيوان». يذكّرنا المشهد بأعمال الألماني جوزف بويز وآخرين حبسوا أنفسهم، جاعلين من ذواتهم مادة العرض الرئيسية. «في أعمال هؤلاء، موقف سياسي يطغى على الأداء الفنّي»، يقول كرباج: «أما أنا، فلستُ هنا لاتخاذ مواقف خارج الفعل الإبداعي. كلّ ما أريده وضع فعل الخلق تحت المجهر من جهة، وتسليط الضوء على مكانة الفنان من جهة أخرى».
يستعيد كرباج هنا ثيماته الأثيرة، بدءاً من مرور الوقت والموت والمدينة، وصولاً إلى اللاموضوع، أو تكسير الموضوع وتحرير الإبداع من وزره. في عرضه، يواصل التعامل مع المنجز الفنّي كشيء فانٍ، مغلباً كعادته منطق التجريب، كصيرورة وجهد عبثيّ أو أكثر... ويسرّ مازن إلينا بأنّه ما إن يحكم السيطرة على أسلوب ما، حتّى يضجر منه. الأمر الوحيد الذي لا تسأم منه ريشته، هو تدوين مذكرات «حياة خالية من الأحداث».