بيار أبي صعب خبر سارّ لكل العرب. المكتبة المصريّة العريقة التي انبعثت من رماد التاريخ، لتواصل رسالة جدّتها البعيدة ـــــ ألم تكن مكتبة الإسكندريّة الأصليّة ذات يوم إحدى منارات الحضارة البشريّة؟ ـــــ تلقّت أخيراً هديّة ثمينة من قرينتها الفرنسيّة. لعلّها أضخم هبة في تاريخ المكتبات: نصف مليون كتاب تبرّعت بها فرنسا على وقع سمفونيّة الشراكة المتوسّطيّة، وقلبها «الفرنكوفوني» النابض. هذه المجموعة الاحتياطيّة التي تضمّ كل ما صدر في بلد فولتير وبلغته، بين 1996 و2006، تكوّنت بفضل «الإيداع القانوني» الذي يلزم أي ناشر أو مؤلّف أن يسلّم نسخاً من كتابه إلى المكتبة الوطنيّة. أي إنّها تقدّم مسحاً شاملاً للحظة فكريّة معيّنة في تاريخ البلد المانح.
لكن المجموعة لن تبقى «كاملة» للأسف. فالمالك الجديد، حسب محضر أحد الاجتماعات في المكتبة الوطنيّة الفرنسيّة، قرّر أن يُجري عليها بعض التعديلات. لنقل إنّه إجراء روتيني، من النوع المتعارف عليه في هذه البقعة من العالم. عمليّة تنقية تهدف إلى فصل القمح عن الزؤان، والغثّ عن السمين. عمليّة «تطهير» تجرّد الهبة الفرنسيّة الكريمة من كل المؤلّفات التي تحوم حولها شبهة بورنوغرافيّة مشينة. نعم، هذا اسمه الوعي العالمثالثي، فنحن نعرف أن الغرب اللعين لا يخدم سوى مصالحه في النهاية. ولن نترك له أن يشوّه عقولنا ويفسد أخلاقنا. سنأخذ منه المفيد ونردّ له سمومه، مرتجعة مع الشكر. وبينها طبعاً كتاب «الحياة السيئة» (2006) لوزير الثقافة الفرنسي فريدريك ميتران الذي كان شاهداً على تلك اللحظة التاريخيّة، إذ أشرف شخصيّاً على شحن الكتب إلى الإسكندريّة. حوار الضفتين ما زال عند نقطة الصفر.