حسين بن حمزة في مجموعتها الجديدة «معطف أحمر فارغ» (منشورات وزارة الثقافة ــــ دمشق)، وهي الرابعة لها، نقرأ للشاعرة السورية رشا عمران أشياء متفاوتة. نحب بعض القصائد، ونقول عن أخريات إنها عادية. يُدهشنا مقطع أو اثنان من قصيدة، ونفكر في أن الحظ لم يحالف الشاعرة في مقاطعها الأخرى. التفاوت صفة مرافقة لما نقرأه. ليست المسألة كمية بالطبع. لكن القراء محكومون بأذواقهم الشخصية، وهم يفضِّلون أعمالاً شعرية على أخرى بحسب الكيفية التي رَبّوا فيها أمزجتهم. إذا قبلنا بهذه الأطروحة البديهية، تصبح صفة «التفاوت» في تناول الشعر مسألة مرنة، فيصبح ما نفضِّله عادياً بالنسبة إلى غيرنا، والعكس صحيح طبعاً.
لنقرأ هذا المقطع: «كلما انمحى يومٌ/ أدركتِ/ أن الكون تفاحةٌ حزينة/ تحتفظين بها/ تحت نهدكِ الأيسر»، ولنقارنه بالمقطع التالي: «المسافةُ التي غادرها غيري/ دونما اكتمال/ أدخلها/ بوصفها/ مسافةً إليَّ/ أو إليك/ باحتمالاتٍ لا تنتهي». المعنى واضح في الحالتين، لكنه خفيٌّ ومتماوجٌ وغير مباشر في المقطع الأول، ومرئيٌّ وثابتٌ ومباشر في الثاني. ثمة شعرٌ متحقق مقابل فكرة مغرية تحاول أن تصبح شعراً. الأفكار الشعرية حاضرة إلى جوار الشعر في المجموعة كلها. أحياناً تكون الفكرة متطابقة مع شعريتها، كأن تقول الشاعرة: «لم يقلْ شيئاً/ أنا اخترتُ أن أسمعه».

تُخطئ المخيلة الهدف أحياناً فتتشوّش القصيدة

المخيلة تُصيب الاستعارة المناسبة هنا، وتسهم كثافة اللغة في جعل السطرين السابقين قصيدة مشعّة ومكتفية بنفسها. بينما في أحيان أخرى، تُخطئ المخيلة الهدف، فتبدو القصيدة مكثفة ومضغوطة على معنى مشوّش، مثل: «الزمن/ الذي نعبره معاً/ بلا ندم/ انعكاسٌ معلَّق/ بين/ اللهيب/ والغموض»، أو يكون المعنى جلياً لكنه عادي في الوقت نفسه، مثل: « كأنني شجرة خريفٍ يتقشَّر جذعها/ مكشوفةً هكذا/ وعاريةً/ وترتجف من المرارة»، أو تقع القصيدة في الاسترسال وتدور حول المعنى نفسه كما في «انتظار» و«امرأة»، حيث يبدأ كل مقطع بالمفتاح ذاته.
أغلب قصائد المجموعة ذاهبة إلى الحب الذي يُقلَّب على وجوه كثيرة. الحب هنا هو عالم ومزاج للكتابة وليس فقط وقائع حياتية وشخصية. الشغف بالآخر ومخاطبته سمةٌ ملازمةٌ للمعجم اللغوي الذي تستمد منه الشاعرة مفرداتها ونبرتها. هناك سيولة وتدفق في هذه اللغة. أحياناً نحس أن ثمة استطرادات كان في الإمكان تجنُّبها كي لا تفقد الجملة الشعرية لياقتها وحيويتها الداخلية. على سبيل المثال، ثمة تكرار لمفردة «حيث» التي تميل الشاعرة لاستخدامها لربط فكرة بأخرى أو سطراً بآخر، كما هي الحال في المقطع التالي: «هناك/ في اللامكان/ حيث الريح تحالف الصمت/ حيث العالم/ يبحث عن ظله/ هناك حيث/ يرتعش الزمن». وهو مقطع يمكن الاستغناء فيه عن «حيث» حيثما وردت!
لكن الاستطراد ليس دوماً من النوع المؤذي. يمكنه أن يُشبع شعرية القصيدة من دون أن يُرهِّلها. وهو ما يحدث في القصيدة المهداة إلى والدها الشاعر الراحل محمد عمران: «ليس عبثاً/ أنك أشرتَ للبيت/ كي يستريح/ تحت السنديان/ كنتَ تعرف/ أن أسلافكَ/ منحلّون في النسغ/ الذي سيتسعُ لسلالتك أيضاً/ كان عليك أن تُخبرنا/ كي لا نبالغَ/ في تقليمه/ أدركنا ولكن/ متأخرين».