ردود فعل بعض المثقفين والفنانين على المواجهات التي أعقبت مواجهة مصر والجزائر في الخرطوم، تبعث على الخجل. لكن لماذا لم تصلنا الأصوات المغايرة التي خرجت على القطيع، متحدثةً باسم مشروع حضاري وقومي جامع، لا يمكن أن تزعزعه مباراة كرة قدم؟... مرّة أخرى، لا شيء فوق صوت المعركة!
محمد خير
مقابل كل مقال عن فيلم جديد ليسري نصر الله، ينشر الإعلام العربي خمسين مقالاً عن فيلم محمد هنيدي. وبموازاة كل خبر عن محمد منير، تنشر الصحافة مئة تقرير عن جديد «شعبولا». تُرى ألهذا السبب كان عمرو أديب «نجم» الإعلام العربي في أزمة مصر ــ الجزائر؟ ألأنه كان الأكثر عدوانية وبذاءة؟ الأكيد أنّ من أرادوا أن تتلخص صورة مصر فيهم، حققوا مبتغاهم. أما من حاولوا أن يستحقوا حمل هذه الصورة، فلم يكونوا «جذابين» كفاية للحديث عنهم. مثلاً، إبّان الأزمة الأخيرة، كانت منى الشاذلي ومحمود سعد الأكثر موضوعية وسط التيار الجارف. الأولى على شاشة «دريم»، والثاني على الفضائية المصرية. إنهما الأكثر شعبية في مصر، ليس لكفاءتهما فحسب، بل لأنهما يُطلان عبر شاشتين مفتوحتين، على عكس أديب الذي يُطل عبر «أوربت» المشفّرة، لكن الإثارة والتحريض هما القادران دوماً على تخطي حواجز التشفير، أليس كذلك؟ لنختبر إذاً هذه الفرضية.
لقد بيّن التناول الإعلامي العربي أزمة مصر والجزائر على أنّها حرب الشوفينية المصرية الجارفة تجاه الشعب الجزائري. تُرى كيف تتسق تلك الصورة مع التوجه الذي أبدته أهم الصحف المصرية؟ مثلاً، في افتتاحية «الدستور» المصرية، انتقد رئيس تحريرها إبراهيم عيسى برامج التحريض والشتائم، قائلاً تحت عنوان «الحقيقة التي لا تريد أن تعرفها»: «شيء ما في إلحاح المصريين على طلب اعتراف الآخرين بفضل مصر، يُشبه تلك المرأة العجوز المسنّة التي تريد ممن حولها أن يتذكروا كم كانت جميلة». أما في «الشروق» المصرية، فكتب رئيس تحريرها العتيد سلامة أحمد سلامة: «جاءت نغمة التحريض والتهديد والوعيد على لسان جمال وعلاء مبارك، مثل طبل أجوف»، بعد أن يشرح أن «النخبة، سواء كانت ممثلة في قيادات الدولة أو في مثقفيها وأحزابها، لا ينبغي أن تترك للغوغائية وغرائز القطيع أن تحدد مصير العلاقات بين الدول والشعوب». أما في جريدة «المصري اليوم»، فكتب عمرو الشوبكي: «فشلت كتائب الشتائم المصرية في تحديد خصم محدد، كالقول مثلاً إنه الإعلام الجزائري أو صحيفة «الشروق» (الجزائرية) البذيئة لمواجهتها، ولا هدف واضحاً يجري العمل لتحقيقه كإيقاف اعتداءات بعض الجزائريين على المصريين في الجزائر، بدلاً من شتم كل الجزائريين». بينما أفردت «أخبار الأدب» صفحاتها لعدد من الكتّاب الجزائريين، منهم الطاهر وطار وأحلام مستغانمي وسليم بوفنداسة ليكتبوا عن «الإخراج القسري لمصر من الوجدان الجزائري». طبعاً، فإن ما سبق مجرد نماذج مما اشتملت عليه الصحف المصرية الجادة، وينطبق ذلك على الإعلام التلفزيوني. إذ كان الريموت كونترول العربي موجهاً نحو شاشة عمرو أديب، في وقت كانت فيه شاشة «دريم» تستضيف المفكر جلال أمين للتعليق على الأحداث. ألا يستحق ذلك وقفة متمهّلة بحثاً عن الدلالات؟
سمعنا جميعاً شتائم «فنانين» من نوعية هيثم شاكر وزينة موجهة إلى الجزائريين. وقرأنا أن شاعراً اسمه خالد تاج الدين سحب أغنية كتبها لوردة الجزائرية، و أن ممثلين وسينمائيين قرروا

كان جلال أمين يتحدّث على «دريم»، فيما الريموت كونترول موجه إلى شاشة عمرو أديب
مقاطعة الجزائر. والواقع أن قرار المقاطعة هذا، بما يثيره من سخرية، يستحقّ سخرية إضافيةً عند مقارنة من أصدروه بأسماء مَن أعلنوا رفضهم تلك المهزلة، منهم ــ على سبيل المثال لا الحصر ـــــ علي بدرخان، يسري نصر الله، خالد يوسف، كاملة أبو ذكرى وأسامة فوزي، ومنهم الممثلون: عادل إمام، محمود حميدة، عمرو واكد... وبين الكتّاب نذكر: جلال أمين وعلاء الأسواني وجمال بخيت. إن تأملاً سريعاً في الأسماء السابقة، يوضح أهليتها لحمل صوت مصر الحقيقي، لمن يبحث عنه بموضوعية أو بالنيّة الحسنة.
تلك الأسماء لم تطلق رفضها مرسلاً، بل وقعته في بيانات وفعاليات، منها البيان الذي صاغه المخرج السينمائي أمير رمسيس، وقعه ــ إضافة إلى الأسماء السابقة ـــــ أكثر من 300 فنان وكاتب منهم نادية كامل، أحمد ماهر، ماجدة خير الله، إيمان مرسال، خالد أبو النجا. جميع هؤلاء رفضوا «السباب الموجه لصميم دولة الجزائر (...) وما ينادى به من قطع العلاقات والمقاطعة مهما كانت صورها». وقد أتى البيان موازياً لما أعلنه فنانون ــ منهم عبد العزيز مخيون وعادل عوض ــ خلال وقفة احتجاجية في مكتبة بدرخان في القاهرة، من أنّ «إغلاق السوق الجزائري في وجه الفن المصري مجازفة لا يعرف المتعصبون قدرها». وأعلنوا أنّ تحويل مباراة كرة قدم إلى حرب «قمة المهزلة».
إن بين الأسماء السابقة مَن قدّموا أهم أفلام مصر الحديثة وكتبها وأدبها، لكن ذلك لا يلغي حقيقة أن تامر حسني هو الأضمن لنسبة المشاهدة، لذا فإنّ «آراءه»، على ما يبدو، هي الأهم!


عن مصير مشترك

بيانات وتصريحات ومواقف عديدة صدرت عن كتّاب ومفكّرين وفنانين مصريين منددةً ببعض الدعوات المطالبة بمقاطعة الجزائر على خلفية مباراة كرة القدم التي جمعت منتخبي الجزائر ومصر في الخرطوم. لكن ماذا عن المؤسسات الرسمية المصرية؟ لقد جاء موقف اتحّاد كتّاب مصر واضحاً. فقد أدان «الشحن الإعلامي الزائد للجمهور وتقديم معلومات خاطئة لإثارة الرأي العام». وناشد الاتّحاد كل الأطراف ألّا يخلطوا في العلاقات العربية بين الثوابت والمتغيرات، فالخلافات المتغيرة داخل الأمة العربية بين دولة وأخرى لا يجب أن تهدد ثوابت العمل العربي المعتمد على التاريخ الواحد والمصير المشترك. أما نقابة الصحافيين المصرية، فأعلنت تحت عنوان «نداء العقل والضمير» أننا إزاء «نتائج خطيرة ومحزنة للتهور وانعدام المسؤولية اللذين صنعا من تنافس رياضي بريء بين المنتخبين الكرويين لكل من مصر والجزائر فتنة كبرى، بل حرباً عبثية مخزية».