عبد الإله الصالحيرغم أن أكاديمية «غونكور» وجائزتها للرواية تجاوز عمرها مئة عام، فـ«غونكور الشعر» جائزة حديثة الولادة. تأسّست عام 1985. بدايةً، أطلق عليها «منحة غونكور للشعر» ثم سُمِّيت «غونكور الشعر» أُسوةً بالجوائز الأخرى التي تمنحها الأكاديمية. وعكس «غونكور» الرواية، فهي لا تتوِّج عملاً يصدر خلال السنة، بل تُمنح تتويجاً لمجمل أعمال الفائز، ما يعني أنّ الجائزة لا تتوج سوى الأسماء المكرسة والطاعنة في النشر والكتابة، بخلاف جائزة الرواية التي لا تضع في حساباتها شهرة المرشح أو حجم إصداراته أو عمره، مثلما حدث مع الكاتب الأفغاني عتيق رحيمي أو الأميركي جوناثان ليتل. وإذا كانت جائزة «غونكور» للرواية تمنح شهرة واسعة للفائزين بها، وتضاعف مبيعات الرواية الفائزة، فإن جائزة الشعر لا تأثير لها في سوق النشر وتبقى تتويجاً شرفياً. فسوق الشعر كاسدة في فرنسا، ولا تتجاوز مبيعات الديوان الواحد 300 نسخة في أفضل الأحوال، ما عدا شاعراً واحداً اسمه محمود درويش باع وحده أكثر من عشرات الشعراء الفرنسيين، بشهادة ناشره لدى «آكت سود» فاروق مردم بك.
لجنة جائزة «غونكور للشعر» هي نفسها التي تمنح جائزة الرواية، وتضمّ عشر شخصيات أدبية، بينها الطاهر بن جلون. الروائي المغربي المذكور بدأ مشواره شاعراً وعضواً مؤسساً في مجلة «أنفاس» التي كان يصدرها اللعبي في المغرب. وقد التحق بلجنة الأكاديمية في أيار (مايو) من العام الماضي مع الكاتب باتريك رامبو، بإيعاز من برنار بيفو رائد الصحافة الثقافية الفرنسية الذي بثّ حيوية في الأكاديمية منذ التحاقه بها.

لا تملك الجائزة أي تأثير في سوق الشعر الكاسدة في فرنسا
أول فائز بـ«غونكور» الشعر، كان كلود لوروا عام 1985 تلاه إيف بونفوا، ثم أوجين غيلفيك، ولوران غاسبار، وجاك رضا، وأندريه شديد... وكل هؤلاء تجاوزوا العقد السادس وراكموا جوائز عديدة، وأغلبهم أعضاء في لجان تحكيم جوائز أخرى. واللعبي مثال نموذجي باعتباره عضواً في أكاديمية «مالارمي» منذ 1998، وهي أهم جائزة شعرية في فرنسا، وسبق له أن فاز بـ«جائزة آلان بوسكيه» عام 2006 عن مجمل أعماله الشعرية. هناك أيضاً، مثال الكاتبة والشاعرة فينوس غاثا خوري التي فازت سابقاً بـ«جائزة مالارمي»، وهي عضو في لجنة «جائزة آلان بوسكيه».
جوائز فرنسا الشعرية تعكس مآل الشعر في بلاد رامبو وفيرلين. حضور باهت وشيخوخة بلا ألق، ضمن مشهد شعري متشظٍّ وفي غاية النخبوية. وإلى جانب حفنة من الشعراء الذين يتحكّمون بسلاسل الشعر في دور النشر الكبرى، مثل «غاليمار» و«فلاماريون»، ويحتلون مواقعهم في لجان الجوائز، هناك عشرات الشعراء الذين ينشطون في الأقاليم عبر دور نشر هامشية ومجلات صغيرة كأنهم منخرطون في تنظيمات سرية توزع القصائد في جنح الظلام