بيار أبي صعبعندما يقرأ المرء أن أنور ابراهم أهدى أسطوانته الجديدة إلى محمود درويش، يستعيد بصورة لاشعوريّة أصداء موسيقى بعيدة، طبعت مرحلة معيّنة، واقترنت بما سمّي الأغنية الجديدة أو البديلة. لكن أنور خطف طيف الشاعر الفلسطيني، لحسن الحظّ، إلى أقاليم حميمة ومفاجئة. أخذه إلى موسيقى تأمّليّة، متقشّفة، تلامس حدود الـ «نيو إيدج». قد لا يصحّ تصنيف موسيقى ابراهم في تلك الخانة برأي كثيرين. لكن من قال إن «موسيقى العالم» تسمية أمينة لتجربة هذا الموسيقيّ، الذي درس العود على يد المعلّم علي السريتي، وشرّع الموروث الكلاسيكي العربي على آفاق متعددة، ليحتلّ مكانته الخاصة على الساحة العربيّة والعالميّة؟
«عيون ريتا المذهلة» عمل يندرج في سياق خاص، وحده المؤلّف وعازف العود التونسي يعرف سرّه. إنّها موسيقى هادئة يفوح منها الحنين، وتحمل أحزاناً سريّة آتية من أوروبا الوسطى. لعلّها كلارينت (باص) الألماني كلاوس غِزينغ في حوارها مع العود، توقّعه

موسيقى هادئة يفوح منها الحنين، وتحمل أحزاناً سريّة آتية من أوروبا الوسطى
نقرات اللبناني خالد ياسين على الدفّ، ويعزّزه غيتار (باص) السويدي بيورن ماير. ليست المرّة الأولى التي يتحاور فيها عود ابراهم مع الكلارينت، ما زلنا نذكر لقاءه مع جون سورمان في «ثمار» (١٩٩٨) ضمن ثلاثي نادر كان طرفه الثالث الكونترباص دايف هولاند. لكن الأسطوانة الجديدة التي أطلقها من قرطاج هذا الصيف، وقدّمها الرباعي قبل أربعة أيّام في قاعة «بلايال» الباريسيّة، ضمن جولة تمتدّ حتى ربيع ٢٠١٠، تسجّل عودة أنور ابراهم إلى نفَسه القديم المشبع بشرقيّته، كما تجلّى في بداياته مع ECM، أي «برزخ» (١٩٩١) و «حكاية الحبّ الذي لا يصدّق» (١٩٩٢). محمود درويش أعاده إليها بعد سنوات اختباريّة مع التريو عود ـــــ بيانو ـــــ أكورديون، تمخّضت عن «خطوة القطّ الأسود» (٢٠٠١)، ثم «رحلة سَحَر»
(٢٠٠٥).
«عيون ريتا المذهلة» هي أسطوانته الثامنة مع مانفرد أيشر ـــــ جنيّة ECM ـــــ الذي تربطه به شراكة قاربت العشرين عاماً. مسافة شاسعة تفصلنا عن الثمانينيات، يوم كان أنور يقدّم «النوارة العاشقة» و«ليلة الطير»، ويغوي الآلاف في مدرج قرطاج الروماني... ذات أمسية شهيرة ربّما حضرها محمود درويش الذي كان مقيماً في تونس.