وبالعودة إلى الانتخابات، كانت الصدمة الأولى، حصول ضياء رشوان ـــــ المرشّح الضعيف من وجهة نظر سياسية ونقابية ـــــ على نسبة أصوات متعادلة مع مكرم محمد أحمد في الدورة الأولى من الانتخابات. فجأة اهتزّ عقل النظام وقلبه النابض بسبب أنّ أي شخص يمثّل درجة من التماسك قد يغيّر أوراق اللعبة. هكذا قرّر هذا النظام أنّ يلمّ الأوراق من جديد ويصادر اللعبة، ليوزعها على من يشاء.
وهذا الأمر يدلّ على أنّ النظام ذاق هزيمة من نوعٍ ما، هزيمة في العمق، لم يشعر بها أصحاب المشاعر «الفوّارة». هؤلاء الذين يتصوّرون أن التغيير يأتي بكبسة زرّ أو حتّى بالوقوف العاطفي خلف مرشّح «التغيير». فِرَق «الهتّيفة» صرخوا يوم الانتخابات بصوت خالٍ من المشاعر الساخنة «الكبير كبير... مش عاوزين تغيير». وقد تشارك في الهتاف رؤساء تحرير صحف قومية كبرى، فكانوا الأصدق في رفع شعار «مش عاوزين تغيير». هكذا ببساطة، كانت معركة نقيب الصحافيين بروفة نزلت فيها أجهزة النظام على الأرض لاسترداد النقابة. وهذه المرة الأولى التي يظهر فيها تنظيم «النظام» بكلّ قوته. في لحظة، تجمّعت كل العناصر والموظفين والحلفاء. خرجت الأموال ووُقّعت الشيكات، وحُلّت مشاكل عالقة منذ سنوات.
لكن الأهمّ أن هذه القدرة التنظيمية لم تعتمد فقط على جحافل «المتملّقين»، بل جذبت عناصر محايدة وعقلانية، استفزّتها
الخوف من الإخوان المسلمين جاء لمصلحة مكرم محمد أحمد
هكذا، أصبح الخوف من «التسرّب الإخواني» واقعاً حشد خلف مرشّح النظام ـــــ مكرم محمد أحمد ـــــ كل الرافضين لدولة الجماعة الواحدة واللون الواحد. من جهتهم، شارك «الإخوان» في اللعبة وأعلنوا تأييدهم لضياء رشوان كأنهم يؤكدون الدعاية التي اتهمته بالانتماء «الإخواني».
كانت بروفة إذاً لما يمكن أن يحدث في انتخابات الرئاسة. بروفة أدارها النظام بعقلية عجوز، لكن خبيرة. عجوز لأنّها بلا خيارات ـــــ لم يكن لدى النظام غير مكرم محمد أحمد. وعجوز بسبب تشبّثها بـ«الممتلكات» التي كان يتم التعامل معها بأريحية قبلاً. ولعلّ المحامي ناصر أمين لخّص المعركة حين قال إنّ الدولة «وبعدما أنهت جماعات الإرهاب ووضعت النقابات في جيبها، تريد اليوم استرداد النقابات المهنية. وقد فعلت ذلك مع المحامين وها هي تنجح مع الصحافيين...». مرة جديدة نسأل: من هُزم في البروفة؟