strong>ماجد المذحجي*لا يمكن تلقّي الحمرا عادةً من دون إطارها البيروتي. تحضر هذه المدينة بأعباء الذاكرة وتناقضاتها، و«أهلها» يراوحون بين وطأة الحنين ومحاولة التعافي منه! بالارتباك الذي يستدعيه طبعاً التقاطع مع طبقات من التواريخ العاطفية والإيديولوجية والطائفية، تراكمت فوق بيروت من دون إعادة قراءة! وفي ذلك تماماً، يمكن قراءة الحمرا باعتبارها محلاً للانقطاع والوصل مع «الزمن الجميل»، وفي كون «جمهورها» متورطاً في رثائيات يومية لها، علاوة على إعادة التكيف المستمر وخلق تاريخ شخصي مع أي حيز جديد فيها. كل ذلك في مواجهة عجز المكان عن تقديم وعود باستعادة قديمه المحبوب ذلك، وعدم قدرة «عشاق الحمرا» على الخلاص منها والتوقف عن ندبها. هكذا إذاً، تصبح مسابقة فوتوغرافية من قبيل « لكم حمراؤكم ولي حمرائي» ـــ قدمت برعاية جهات متناقضة بين صحيفة «السفير» ذات الإرث القومي واليساري القريب من مزاج الحمرا القديم، وتلفزيون «المستقبل» الذي يمثّل واجهة إعلامية لرأس المال «السني» الجديد المناقض لما مثّلته من تراث في الاختيارات الأيديولوجية ونموذج التعددية الطائفية ـــــ إفصاحاً عن أزمة هويتها كمكان وذاكرة، وعن ورطة الحنين إلى ذلك المتخيّل الذي لا ينتهي عن الحمرا.

على عشاق الشارع حماية ذاكرتهم عبر نسج «فضاءات» الحنين
تبدو الحمرا عالقة بين زمنين: بين قديم كانت فيه ساحة يومية للنضالات وتقديم البديل الجذاب من الخيار الطائفي اللبناني واصطفافات الميليشيات، ومحلاً لعلاقات وأفكار مُفارقة شكلت إرثاً ذا خصوصية في بيروت، وبين جديد تحاول فيه الالتحاق بمزاج جديد إيقاعه أسرع ولا يتم فيه التورط بكلف ثقيلة، وحيث تحصيل «الأرزاق» هو واجهة الحمرا لا حماية الاختيارات النضالية القديمة أو تقديم نماذج مفارقة! وبين جيلين، الأول كان جزءاً من إرثها وشريكاً في حماساتها القديمة تستولي عليه خسارة ذاكرته الشخصية في المكان وتستولي عليه أيضاً الضرورات اليومية. وآخر جديد وشاب يستهويه ذلك الإرث العاطفي للحمرا الذي لم يختبره فعلياً لكنّ الحماسة تأخذه بعيداً في استدعائه والتنكيل بالمآل الجديد الفاقد للمذاق الذي صارت عليه... تولد الالتباسات ويصبح على المكان أن يدفع الثمن العاطفي لعجزه عن تقديم الصورة المبتغاة منه. ويصبح على هؤلاء العشاق الحمراويين حماية ذاكرتهم عبر نسج «فضاءات» كثيفة للحنين. وبين بار مثل «بارومتر»، و«دينامو» وBy The Way، حيث تتزاحم موسيقى زياد الرحباني وصور ياسر عرفات وغيفارا وأنطوني كوين والصفحة الأولى من «السفير» يوم تحرير الجنوب... تولد غابة من التشويش العاطفي لأجيال جديدة لم تحسم اختيارها وعلقت مثل الحمرا بين زمنين!
* كاتب يمني