سناء الخورينشأة لبنان الكبير، والعلاقة الحميمة والإشكاليّة بين الموارنة وفرنسا مادة ثابتة في بحث اللبنانيين عن «أصل العلّة». لكن يبدو أنّ مشاعر الفرنسيين الرعويّة تجاه المسيحيين في الشرق، لم تمنعهم من التودد للطوائف الأخرى بوسائل مختلفة، منها... اصطفاء بيروت عاصمةً للبنان الكبير! قد تكون هذه خلاصة تبسيطية لأطروحة تاريخيّة أخذت من كارلا إدّه جهداً بحثياً طويلاً. رئيسة قسم التاريخ في «جامعة القديس يوسف»، خرجت بكتاب نادر يوثّق مخاض عاصمتنا، بين إلحاح الموارنة على الاعتراف بدولة لبنان الكبير، ورفض المسلمين الانفصال عن المحيط.
في «بيروت: نشأة عاصمة (1918ـــــ 1924)» الصادر عن «سندباد ـــــ آكت سود» بالفرنسيّة، قررت إدّه «ترك المنطلقات الإيديولوجيّة والسياسيّة جانباً، وقراءة تلك المرحلة بعين المؤرخ» كما تقول. بين وثائق بلديّة بيروت ومحفوظات ثمينة أخرى، وثّقت السنوات الأولى للانتداب الفرنسي، وما رافقها من تغيرات سياسيّة. «خرجت فرنسا مفلسةً من الحرب العالمية الأولى، وكان وضع

وثائق ومحفوظات ثمينة وثّقت السنوات الأولى للانتداب الفرنسي، وما رافقها من تغيّرات سياسيّة

الانتداب صعباً، إذ لم يحظَ باعتراف دولي كامل، إلا عام 1923»، تشرح إدّه. أدرك الفرنسيون خطورة رفض القوميين العرب للانتداب، فقرروا الخروج بمعادلة لا تخسرهم حلفهم مع المسيحيين اللبنانيين، وتكسبهم رضى المسلمين في آن. وكانت النتيجة، أن منحت فرنسا الموارنة لبنانهم الكبير، ومنحت المسلمين عاصمته بيروت. منذ ذلك الحين، بدأت ترتسم ملامح المدينة التي كانت طوال 400 عام ولاية منفصلة عن ولاية جبل لبنان. هكذا، نشأ وسطها الذي قامت على أنقاضه «سوليدير»، وتكونت شوارعها وارتسمت أحياؤها. على تفاصيل ولادة بيروت هذه، يرتكز كتاب إدّه الذي توقعه صاحبته غداً في «مكتبة البرج». يرتكز البحث أيضاً على سياسة الوجهاء التي اعتمدها الانتداب من خلال اختيار أعيان يوفرون عليهم أعباء قمع أي انتفاضة شعبيّة. في الدفاتر القديمة قرأت إدّه عن مقاطعة البيارتة للترامواي. لجأت إلى ملفات الشركة الفرنسيّة ـــــ البلجيكيّة التي كانت تتولّى تسييره، لتجد وثائق محفوظة في بلجيكا تحكي عن عصيان مدني عابر للطوائف ولصيغة الأعيان ولمنطق الانتداب الاختزالي، شهدته بيروت عام 1922.


5:00 مساء الغد ـــــ «مكتبة البرج» (ساحة الشهداء/ بيروت). للاستعلام: 01/973797