إنّها «اللعنة» ذاتها تطارد المفكّر ا\لمصري المعروف . بعد تكفيره في التسعينيات، ها هي الحكومة الكويتية تخضع لمطالب بعض النوّاب الإسلاميين وتمنعه من دخول البلاد «خوفاً من اغتياله»!
القاهرة ــ محمد شعير
نصر حامد أبو زيد مجدداً في مواجهة أهل الظلام! إذ فوجئ المفكّر المصري أمس بمنعه من دخول الكويت التي كان مدعوّاً إليها من قبل «مركز الحوار للثقافة» (تنوير) و«الجمعية الثقافية الاجتماعية النسائية» ليحاضر في ندوتين عن «الإصلاح الديني في الدولة الدستورية» و«قضايا المرأة بين أفق القرآن والفكر الفقهي». ورغم حصول أبو زيد على تأشيرة لدخول البلاد، إلا أنّ رجال أمن كويتيّين أوقفوه في المطار وأبلوغه أنه سيعود مجدداً إلى القاهرة بسبب عدم قدرة الحكومة الكويتية على توفير الحماية الأمنية له وخشيتها من أن يتعرّض لمحاولة اغتيال بسبب الفتوى الشهيرة التي صدرت في التسعينيات (راجع الإطار). هكذا، رضخت الحكومة الكويتية لتهديدات بعض النوّاب الإسلاميين الذين طالبوا بطرد ذلك «الزنديق المرتد» كما وصفوه. وقد اضطر أبو زيد إلى البقاء ساعات في مطار الكويت وانتظار الطائرة المتجهة إلى القاهرة برفقة زوجته ابتهال يونس أستاذة الأدب الفرنسي في جامعة القاهرة.
وقبل وصول صاحب «نقد الخطاب الديني» إلى الكويت، استبق نوّاب إسلاميون الزيارة وأطلقوا حملة مسعورة على الباحث المصري. هكذا، استنكر النائب الإسلامي الكويتي وليد الطبطبائي استضافة أبو زيد، مطالباً الجهات الحكومية بمنعه من الدخول بسبب صدور حكم من القضاء المصري بردّته عن الإسلام. وطالب الطبطبائي «بمنعه من اعتلاء منصة الفكر والرأي في الكويت لأنّه ليس أهلاً لذلك». فيما ذهب النائب محمد المطير إلى حدّ المطالبة بـ«طرد المرتدّ نصر أبو زيد فوراً قبل أن يبثّ في الكويت كفره وزندقته». وقد حاولت «الأخبار» الاتصال بصاحب «التفكير في زمن التكفير» الذي فضّل إغلاق هاتفه والسفر إلى في طنطا لزيارته أسرته.
وصفوه بـ «الزنديق المرتدّ الذي جاء ينشر كفره في البلاد»
لكن خلال وصوله إلى القاهرة، أمس، عائداً من مطار الكويت، أعرب أبو زيد عن دهشته من قرار «منع مواطن عربي من دخول بلد عربي»، مضيفاً «لا أعلم السبب الحقيقي وراء منعي، ولست مدرجاً على قوائم الممنوعين من دخول الكويت، بل إنّ السلطات الكويتية منحتني تأشيرة دخول إلى أراضيها بدعوة من أحمد البغدادي في منتدى «التنوير»..». وأشار صاحب «فلسفة التأويل» إلى أنّه يعتقد أنّ سبب منعه جاء ورقة ضغط على الحكومة الكويتية من قبل بعض النواب الكويتيين ومحاولة لسحب الثقة من مجلس الوزراء.
وعن رأيه في ضغوط النواب الإسلاميين في الكويت لمنعه من دخول البلاد، قال: «تلك القوى لا تستطيع مواجهة الفكر بالفكر»، مشيراً إلى أنّ هذا الوضع يطرح سؤالاً: «إلى أين تتّجه أوطاننا، ومن يمتلكها؟».
من جانبه، رأى طالب المولى، عضو مؤسس في «مركز الحوار للثقافة»، في تصريحات لجريدة «القبس» الكويتية، أنّ «عدم دخول أبو زيد يمثّل سبّة للكويت والكويتيين»، مشدداً على أنّ الكويت التي طالما احتضنت الفلاسفة والعلماء والمفكرين العرب، أمثال فؤاد زكريا وعبد الرحمن بدوي، نراها اليوم ترفض دخول أبو زيد بسبب «التيار الوصولي المتخلّف». وأشار إلى أنّ الكويت تنحدر من سيّئ إلى أسوأ... والضحية هو الشعب. وأضاف المولى «سنصارع هذا التيار»، مستغرباً تحوّل الكويت من درة الخليج إلى دولة «طالبان» جديدة على أيدي «تيار التخلّف»، مشدّداً على أنّ الكويت التي عهدناها هي «كويت الديموقراطية والرأي وحقوق الإنسان، لكن الكويت الآن عليها خمار أسود».
وفي حديث إلى «الأخبار»، وصف رئيس «المركز القومي للترجمة» في القاهرة، جابر عصفور، ما جرى لصديقه بأنّه «نوع من الإرهاب الفكري، والذين منعوه من دخول الكويت لا يمتلكون القدرة على مواجهة الفكر بالفكر».


رحلة المنفى

حين قدّم نصر حامد أبو زيد بحثه «نقد الخطاب الديني» عام 1993 للترقّي في الجامعة، قامت الدنيا ولم تقعد. رأى بعض الأساتذة في جامعة القاهرة ـــــ أوّلهم عبد الصبور شاهين ـــــ أنّ طرده سيكون بمثابة «انحسار للعلمانية في الجامعة». هكذا، كتب شاهين تقريراً يتهم المفكّر المصري بالكفر. واكتملت الدائرة مع دعوى التفريق بينه وبين زوجته، فوجد أبو زيد نفسه أمام خيارين: إمّا أن يذهب إلى المحكمة ويتراجع عن بحثه فينعم بحماية المؤسسة الدينية، وإما أن يخضع للمؤسسة السياسية التي تريد استخدامه في معركتها ضدّ تيارات التأسلم. لكنّ نصر رحل إلى هولندا، بناءً على دعوة «جامعة ليدن»، حيث بقي حتى الآن، لم يزر خلالها مصر إلا نادراً.