وصلت تجربة العلاج بالدراما في «سجن رومية» إلى مرحلة الحصاد. يحتفي مركز «كثارسيس» غداً بالمخرج الإيطالي وملهم التجربة أرماندو بونزو، ويضع في متناول الجمهور شريطاً فاز أمس بجائزة أفضل وثائقي في «مهرجان دبي»
سناء الخوري
بعد سنة في انتظار الموافقة، وجدت زينة دكاش نفسها في «سجن رومية»، تحمل مكبِّراً للصوت وتدعو السجناء إلى محترف المسرح. لم تكرر النداء إلا مرة واحدة. بعض نزلاء القلعة الرماديّة اعتقد أنّها تمزح، وبعضهم وافاها إلى تجربة أداء... هكذا انطلقت القصّة، بعدما كانت دكاش قد قطعت الأمل تقريباً من إمكان تحقيق مشروعها العلاجي.
مشاغبة راقية على نظام لا يقيم اعتباراً لقيمة الفرد
بعد أشهر طويلة من التدريب، أبصرت مسرحيّة «12 لبناني غاضب في إحدى قاعات سجن «رومية» التي تحوّلت مسرحاً (راجع «الأخبار»، ١١/٢/٢٠٠٩). عند الخامسة والنصف من مساء غد، تطلق جمعيّة «كثارسيس ـ المركز اللبناني للعلاج بالدراما» (تديره دكاش تنفيذياً) في «قصر الأونيسكو» شريطاً وثائقياً يروي مراحل تلك التجربة العلاجية من خلال فنون الدراما ـــــــ حصد مساء أمس جائزة المهر العربي لأفضل وثائقي في «مهرجان دبي السينمائي الدولي». قبل عام، حين انتشرت تجربتها إعلامياً، وجدت زينة من يسألها: «معقول هيك شكلهن؟ هيدا هوّي الحبس؟». «إدراك الناس أنّ السجين إنسان، كان إحدى الثمار الأساسيّة للعلاج بالدراما» تقول. بالنسبة إلى السجناء، كان الهدف إخراجهم من عقدة العقاب المتواصل، وحثهم على إيجاد وسيلة للتعبير عن أنفسهم خارج إطار النزاعات والعنف. استعادة إنسانيّتهم، عبر اكتشاف مواهبهم بين تأليف وتمثيل وكتابة... تجعلنا التجربة نعيد النظر في منطق العدالة من جهة، وجدوى المسرح وحدوده من جهة ثانية. في تجربة زينة، كان المسرح وسيلة للانعتاق ـ ولو داخل السجن ـ من «الأنا» ومن عين الآخرين. الانعتاق هنا أيضاً بمعنى المشاغبة الراقية على نظام لا يقيم اعتباراً لقيمة الفرد. في هذا الإطار، أدارت زينة صفوف يؤدي فيها السجين مثلاً مشهد خروجه من السجن والتقائه بالناس... «بعضهم وجدها فرصةً ليفرغ غضبه، وبعضهم كان يحتاج إلى تدريبات حول التعاطي مع المحيط»، تخبرنا زينة. «المسرح كان المفتاح، ليُخرج السجين آلامه وعقد ذنبه إلى العلن، ولا يعود إلى قوقعة العقاب اللامتناهية».


وثائقي وDVD

الموعد غداً عند الخامسة والنصف في «قصر الأونيسكو» مع لقاء ثقافي يحتفي بتجربة «المسرح داخل السجن»، برعاية وزير الداخليّة زياد بارود. يتضمن اللقاء معرض صور لمسرحية «12 لبناني غاضب» ولأعمال «فرقة مسرح سجن فولتيرا الإيطالي» التي يقودها المخرج أرماندو بونزو منذ عشرين عاماً. سيلقي هذا الأخير كلمة في اللقاء، في مناسبة زيارته لبنان لتقديم صفوف علاجيّة لسجناء رومية لمدة خمسة أيام. والختام سيكون مع عرض للوثائقي الذي أخرجته زينة دكاش (الصورة)، وهو خلاصة 75 ساعة تصوير، وستة أشهر مونتاج. يتضمن الوثائقي مختلف مراحل الإعداد للعمل، منذ البداية (تصوير جوسلين أبي جبرايل)، إضافةً إلى مقابلات مع السجناء. كما سيضع المنظمون بمتناول الجمهور «دي. في. دي» عن مسرحيّة «12 لبناني غاضب» وأسطوانة تضم الأغنيات التي ألفها المشاركون.


ليس للترفيه فقط

«لم أذهب إلى رومية لترفيه السجناء، بل كي أجعلهم يشعرون بمسؤولية تجاه حياتهم»، تقول زينة دكاش. هكذا تصف الممثلة اللبنانية تجربتها. تعمل اليوم في إطار مشروع «العلاج بالدراما في السجن، منصة فنيّة جديدة» الذي ينفذه «كثارسيس ـــــ المركز اللبناني للعلاج بالدراما»، وتموّله السفارة الإيطاليّة ضمن برنامج الطوارئ في مرحلته الثالثة. انطلق المشروع الذي يمتد 11 شهراً في تموز (يوليو) 2009 استكمالاً لتجربة العام الماضي. التجربة ليست واجباً مهنياً بالنسبة إلى زينة التي عرفها الجميع في دور «إيزو». «توقفت حياتي» تضحك مستطردةً: «تعلمك هذه التجربة ما هي حدودك، وتعلمك توظيف طاقاتك من أجل أهداف محددة». في المرحلة الأولى، كانت دكاش تشعر بتناقض: «كيف أساعد من ثبت ارتكابه جريمة؟ أردت أن أحافظ على إيماني بأن شيئاً ما في هذا الرجل يمكن أن يتغيّر».