احتجّ عدد من الناشرين العرب على الطريقة التي عوملوا بها هذا العام. أما «ملتقى الروائيين العرب»، فانفضّ عنه الجمهور وبعض المدعوّين. لكنّ «معرض بيروت للكتاب»، رغم اتهامه بالتركيز على البعد «التجاري»، ما زال يحتفظ ببريقه
زينب مرعي
إلى متى يُمكن «معرضَ بيروت العربي الدولي للكتاب» أن يعتاش على سمعة الماضي؟ هو المعرض الأعرق، من دون شكّ، لكنه أيضاً المعرض الذي يراوح مكانه، فبدأت عجلات رصيده الإيجابي تتراجع. منذ سنوات، منظّموه لا يأتون بجديد، ولا يستشعرون خطراً، ما دام المعرض يبقى رائداً في مجال الحرّيات، مراهنين على هذه النقطة لاستقطاب الناشرين العرب. لكن ها هو هذه السنة يخلق لنفسه أزمة مع الناشرين العرب حين استحدثت إدارته تلك «الخيمة البشعة» ـــــ كما يعرّف عنها الزوّار ـــــ التي أقصت معظم الدور العربية إلى مكان هامشي بالقرب من مخرج المعرض في «بيال»... فأيّ عاصمة للكتاب هي هذه!
مديرة «دار الآداب» رنا إدريس ترى أنّ هذا الموضوع حرم القرّاء اللّبنانيين لقاء الناشرين العرب، بينما يعلّق حسن فوعاني من «المؤسسة العربية للدراسات والنشر»: «يجب أن يُقام المعرض في صالة واحدة تجمع الكل». ويضيف فوعاني أنّ المعرض بدأ يأخذ طابعاً تجارياً أكثر منه ثقافياً. ويوافقه الرأي رامز نجدي من «مؤسسة جورج حاوي» الذي يرى أنّ المعرض هذه السنة هو لبيع الأجنحة أكثر منه لبيع الكتاب. رأي يتشارك فيه معظم أصحاب الدور الذين يرون ذلك واضحاً في المساحات الكبيرة التي خصّت بها إدارة المعرض بعض الأجنحة الخليجيّة الرسميّة (راجع البرواز أدناه)، وهي توحي حسب المنتقدين بـ«بهو الفنادق»، لا بمعارض الكتب! في هذا الموضوع، يعلّق المدير العام لمعرض الكتاب سميح البابا مبرراً: «نحن في النادي الثقافي العربي نحاول أن ننسّق ليكون لدينا معرض جميل وثقافي في آن. لا نريده علباً للعرض حيث لا يمكن الزائر التوقّف وتصفّح الكتب، وإن كان ذلك يعني مشاركة دور أكثر».
نصل إلى النشاطات الموازية التي أُعلن تنظيمها. الندوات التي أُقيمت في رحاب المعرض ـــــ كما «مُلتقى الروائيين العرب» (راجع البرواز أعلاه) ـــــ لم تستطع أن تجذب الجمهور، فاقتصر الحضور على بعض المدعوّين. والسبب برأي أصحاب الدور هو ضعف الدعاية. كذلك كان لافتاً تغيّب عدد كبير من المشاركين الذين أُعلنت أسماؤهم، عن الندوات، وخصوصاً في ملتقى الروائيين. هكذا غاب تركي الحمد، وليانا بدر، ويوسف القعيد، وجورج دورليان والياس خوري. الجمهور المهتم لم يُخف خيبته. التقينا بين الحضور جامعيَّين سعوديَّين، هما طالبا أدب، تكبّدا عناء السفر لمتابعة المؤتمر، فيما ينعدم وجود أي طالب لبناني. وحاول بعض الأجنحة أن يعوّض عن الفراغ على نطاقه. «مؤسسة جورج حاوي» ابتكرت مثلاً، «أوضة الئعود» الملوّنة حيث نظّمت ندوات جمعت المحاضرين وزوّارهم، شاركوا بحيوية في النقاشات حول فنجان قهوة.
وبمعزل عن مشاكل التنظيم، أبدت الدور عموماً ارتياحها لحجم المبيع في المعرض. المبيع كان جيداً بالنسبة إلى «دار الآداب» كما تقول رنا إدريس، وتضيف: «الإقبال الكثيف من الشباب على الكتاب العربي ما زال يدهشنا. وتركّز اهتمامهم هذه السنة على كتاب «أنا أحيا» لليلى بعلبكي، بسبب رغبتهم في اكتشاف هذه الكاتبة وهذه الحقبة التي يخبرهم عنها جيل الأهل. كذلك اهتمّوا بكتب «أميركا» لربيع جابر بسبب بلوغه لائحة «بوكر» القصيرة، و«اسمه الغرام» لعلويّة صبح» رغم إقصائه عنها. وحلّت رواية صبح ثانية على قائمة الإحصائيّة الثانية للكتب الأكثر مبيعاً في المعرض، في فئة الرواية، بينما حلّت رواية بعلبكي في المرتبة الثالثة، وانتزعت رواية «جفرا» لمروان عبد العال الصادرة عن «دار الفارابي» المرتبة الأولى.

إقبال شبابي على رواية ليلى بعلبكي، وحضور سعودي لافت بين الزوّار

حسن فوعاني بدوره، يرى أنّ المعرض كان جيداً إذا أخذنا في الاعتبار أزمة القارئ، وضعف القدرة الشرائيّة، وهما المشكلتان الأساسيتان اللتان تعترضان بيع الكتاب. وبينما حلّت الرواية في المرتبة الأولى في بعض الدور، فإنّ ياسر يوسف من «دار الجديد»، يقول إنّ الشعر كان أكثر مبيعاً خلال التواقيع، فتميّز لديهم «عانقت امرأة تنتظر» لخاتون سلمى و«بلا حقائب» لمنى أبو حمزة. بينما يتشارك في المرتبة الأولى على لائحة المعرض «إلهي الحب وعقيدتي أنت» لملك سمير الحلبي (المختارات) و«لا أريد لهذي القصيدة أن تنتهي» لمحمود درويش (الريّس). أمّا في جناح «الدار العربية للعلوم ناشرون»، فيرى وسام زين أنّ المعرض كان بمستوى العام الماضي. وبعض مناسبات توقيع كتب، مثل «راقصيني قليلاً» لزاهي وهبي، ورواية «مشهد البحر» لطراد حمادة، شهدت إقبالاً واسعاً. ومع أنّ الجميع لا يرون أنّ المعرض ارتقى إلى مستوى احتفاليّة تليق بـ«عاصمة عالميّة للكتاب»، إلّا أنّ الناشرين اللّبنانيين والعرب يرون أنّ المعرض يبقى حيوياً بالنسبة إليهم، لما يفتحه من أبواب أمامهم لإنشاء علاقات تجاريّة مع الزوّار العرب.


ملتقى الروائيين

«ملتقى الروائيين العرب» الذي نظّمته احتفالية «بيروت عاصمة عالميّة للكتاب»، مثّل عامل قوّة في المعرض رغم غياب عدد من الروائيين. على مدى ثلاثة أيام، ناقشت الندوات مواضيع عامّة تتعلق بالرواية. عناوين مثل «الرواية والغربة» التي شارك بهاء طاهر وإملي نصر الله والحبيب السالمي و«الرواية والحرب» التي شارك فيها رشيد الضعيف وجنان جاسم حلاوي، و«الرواية والتحولات السياسية» التي اقتصرت المشاركة فيها على جورج شامي، و«الرواية والتحولات الاجتماعية» التي شاركت فيها علوية صبح وعبير أسبر وليلى العثمان... أتاحت للروائيين إظهار الجانب الشخصي من حياتهم الذي أثّر في كتاباتهم. أسلوب رشيد الضعيف الساخر وشخصياته العبثيّة ناتجان من «انهزامه في الحياة». أمّا «الرواية والكتابة» التي شارك فيها محمد برّادة وواسيني الأعرج، فتميّزت بالنقاش. إذ رأى الأعرج أنّ النقد العربي لا يواكب تطوّر النصّ الروائي ولا يعرف كيف يحترم خصوصيّته.