نجوان درويشاضطر «المركز الثقافي الألماني الفرنسي» في رام الله المحتلة إلى سحب أفلام إسرائيلية كانت مشاركة في مهرجان «رحلة إلى القدس». وكان من المفترض أن يجمع البرنامج ـــــ خلال كانون الثاني (يناير) وشباط (فبراير) المقبلين ـــــ بين أفلام فلسطينية وأخرى إسرائيلية عن القدس، علماً أنّه لا يمكن وصف التظاهرة بالمهرجان، لكونها لا تتعدّى عروضاً سينمائية متواضعة ضمن البرنامج الشهري لنشاطات المركز.
وجاء إلغاء مشاركة الأفلام الإسرائيلية بعد ضغط من «الحملة الفلسطينية للمقاطعة الثقافية والأكاديمية لإسرائيل» PACBI. إذ وجّهت هذه الأخيرة رسالة إلى السينمائيين المشاركين، وبينهم ميشيل خليفي وإيليا سليمان وهاني أبو أسعد ورشيد مشهراوي... تدين المهرجان، وتطالب بإلغاء مشاركة الأفلام الإسرائيلية. وسرعان ما تجاوب هاني أبو أسعد مع مبادرة PACBI، إذ كتب إلى المنظّمين محتجّاً على المشاركة الاسرائيليّة، وطالب بسحب أفلامه في حال الإصرار على بقاء الأفلام الإسرائيليّة. وكان لهذه الخطوة دور حاسم في الضغط على «المركز الثقافي الألماني الفرنسي» الذي قرّر إلغاء المشاركة الإسرائيلية.
كيف نساوي بين روايتي الضحيّة والجلاد؟ تساءل بيان «الحملة الفلسطينية لمقاطعة إسرائيل»
رسالة «الحملة» أعادت فتح ملف خطير يتعلّق بالدور السياسي الذي تؤدّيه بعض المراكز الثقافية الأجنبية في فلسطين (الأمر ينطبق بدرجات مختلفة على العالم العربي). وقد أشارت إلى «خطورة الأنشطة التطبيعية (ثمة تعريف ومعايير معلنة تعتمدها الحملة للتطبيع) التي تقوم بها بعض المراكز الثقافية الغربية في فلسطين المحتلة، مصرّةً على خلق «توازن» بين الفلسطيني والإسرائيلي، بين المضطهَد (بفتح الهاء) والمضطهِد (بكسرها). ما يعطي انطباعاً زائفاً بالتساوي الأخلاقي بين سردية كل منهما، ويرسم صورة خادعة أيضاً عن إمكان التعايش رغم استمرار ظروف الاضطهاد الكولونيالي والعنصري الإسرائيلي لشعبنا. من هذا المنطلق، تُدين الحملة المهرجان السينمائي الفلسطيني ـــــ الإسرائيلي «رحلة إلى القدس»، وتدعو إلى الضغط على المركز الألماني الفرنسي لإلغاء مشاركة الأفلام الإسرائيلية فيه، بغض النظر عن محتواها الفني أو السياسي، كذلك تدعو جميع المخرجين والمخرجات الفلسطينيّين إلى سحب أفلامهم، إذا لم يستجب المركز لمطلبنا هذا».
والملاحظ، من سنوات عدّة، أن قسطاً من أنشطة بعض المراكز الثقافية الأجنبية وسياساتها يُعطي متنفّساً وقدماً لإسرائيل في المجتمع الفلسطيني، ومجتمعات عربية، وذلك سعياً إلى تغيير صورة هذه المستعمرة الكولونيالية المزروعة في قلب المنطقة العربية. لكنّ المزاج العام يرفض عادة هذا الضرب من «المبادرات الثقافية الأوروبية»، التي تتجاهل الواقع الاستعماري وتساوي بين الضحية والجلاد... مساواةٌ تحاول تزوير مفاهيم سامية كـ«السلام»، وتحويرها لتصبح فخاً ممدوداً للنخب العربيّة التي تشارك عادةً في هذا النوع من الأنشطة. وهنا يمكن أن ننحي ببعض اللائمة على المخرجين الفلسطينيين والعرب الذين يعطون موافقتهم منذ البداية على المشاركة في تظاهرات مماثلة!
يتساءل بيان الحملة: «لماذا يجب أن يقبل مثقفونا وفنّانونا أيّ «توازن» مع الإسرائيليين، بغضّ النظر عن آراء ومبادئ بعضهم، في طرح أعمالهم الفنية عن القدس أو أيّ موضوع يتعلق بالقضية الفلسطينية، أو القضايا الإنسانية عموماً؟ لماذا لم يُشترط على الفنانين السود في جنوب أفريقيا، مثلاً، أن «يوازَنوا» مع فنانين أفريكانيين في ظل نظام الأبارتهايد البائد؟... لماذا يجب أن نقدّم روايتنا عن القدس بـ«توازن» مع رواية مضطهِدينا؟».
على أهمية إلغاء مشاركة الأفلام الإسرائيلية، والانتصار الصغير الذي حقّقه تيار مقاومة التطبيع؛ فإن جوهر فكرة هذا «المهرجان» هو ما ينبغي مقاومته... لا بدّ من المطالبة الصارمة بـ«أن تحترم المراكز الثقافية الأجنبية الموجودة في فلسطين المحتلة (وفي العالم العربي) معايير المقاطعة الثقافية الفلسطينية (والعربية) لإسرائيل».
www.pacbi.org