الفن التشكيلي الهندي شبه مجهول لدينا، إن لم يكن مجهولاً بالكامل. ينطبق ذلك على الجمهور العريض كما ينطبق على أغلب المختصين والنقاد أيضاً. يأتي المعرض الضخم الذي تنظمه شركة «سوليدير» بالتعاون مع Art Gallery1×1 في دبي، ويحتضنه «مركز بيروت للمعارض» بمثابة صلة وصل أولية نتعرف من خلالها إلى عدد من التجارب المعاصرة في المحترف الهندي.
المعرض الذي يحمل عنوان «في أعماق البحيرة... كل شيء صامت» يضمّ أعمالاً تتوزع على الرسم والتصوير والتجهيز والفيديو آرت والطباعة الرقمية والنحت، وتبدو غالبية هذه الأعمال على علاقة قوية بالتراث الهندي الشعبي والثقافي والتصويري، ومنفتحة على السوق المعولمة للفن في العالم. وما نراه في المعرض يشبه تلك المشاركات الفردية والمتفرقة التي تحضر في مواعيد الفن ومزاداته الكبرى، بينما هي الآن متوافرة كمعرض مشترك يمكنه أن يقدم صورة أوضح إلى حد ما، وأكثر قرباً من طموحات الفنانين الهنود وممارساتهم الفنية المعاصرة التي بدأت منذ فترة تجد ترحيباً وحفاوة في معارض مماثلة أقيمت في أوروبا وأميركا، وسبقتهم هذه الحفاوة إلى مواعيد عربية باتت أساسية في دبي وأبو ظبي وبيروت. هناك تجارب فنية متماثلة باتت تتصدر هذه المواعيد في عواصم وصالات مختلفة. تجارب يتكفل منطق السوق في جعلها جزءاً من الذائقة الفنية العامة. وهي تجارب تستثمر مفهوم أو مفاهيم المعاصرة وما بعد الحداثة في تعريض الممارسات المحلية لهواء العولمة العابر لحدود التراث والهوية. يمكن بسهولة مزج هذه الهويات بما يستجدّ في السوق الفنية. وعندما نتكلم عن تراث هندي وهوية هندية، لا بد من أن تنفتح أمامنا تلك الخصوبة والتعددية الهائلة لشعوب الهند ولغاتها وثقافاتها الشعبية.

هيما أوبادياي تستخدم الطوابع والطيور كمواد نوستالجية تتعلق بتوثيق أزمنة قديمة

ومن دون أن يكون لدينا تصور دقيق ومعلومات كافية عن كيفية تحقق ذلك في الفن، نستطيع أن نلمس انطباعات ومذاقات تبثها الأعمال المعروضة العائدة لـ 18 فناناً وفنانة. انطباعاتٌ لا تتأخر كثيراً في الانضمام إلى المشهد العام للفن المعاصر في العالم. هناك طبعاً خصوصية هندية لها علاقة بالموروث البصري والفني، ولكنّها حاضرة هنا كي تؤدي وظائف أخرى تتجاوز فكرة «الكيتش» التقليدي، لتصبح جزءاً من مفهوم أوسع يتحول فيه أي «كيتش» محلي إلى مادة جذابة لجمهور غير محلي. هذا ما نراه في أعمال شيترافونو مازومدار الذي يعرض ثلاثة فيديوهات موضوعة في صناديق تشبه صندوق الفرجة، وتتوالى فيها صور ومشهديات محلية مختلفة، ويعرض في سلسلة لوحات أخرى طباعة رقمية لتفاصيل جسدية. ونراه كذلك في لوحتين لهيما أوبادياي تستخدم فيهما الطوابع والطيور كمواد نوستالجية تتعلق بتوثيق أزمنة وأنماط حياة قديمة. إلى جانب ذلك، تعرض أن بوشبامالا سلسلة فوتوغرافيات بعنوان «السيدة الشبح»، بينما ينقل أبير كارماكار في سلسلة لوحات بعنوان «لوحة البورنو» زوايا ولقطات من غرفة فندق خالية وشاغرة تحمل إيحاءات عاطفية وترميزات جنسية غير مباشرة، ويقدم شيترا غانيش سلسلة قصص مصورة بأسلوبية الكوميكس. هناك تأثيرات واضحة لتواريخ وسرديات شعبية وثقافية آتية من مصادر مختلفة لها علاقة بالصورة والأدب والكتابة والهوامش الاجتماعية والسياسية. هذه السرديات والمؤثرات تحضر بطرق وتقنيات أخرى في أعمال فنانين آخرين أيضاً، ولا تبدو غريبة أو غامضة بالنسبة إلى جمهور غير هندي، وهو ما يدل أن مشهد الفن المعاصر في الهند جزءُ من مشهد عالمي معاصر، وأن الفنانين الهنود على علاقة منفتحة مع طموحات وممارسات باتت مشتركة لدى تجارب العقدين الأخيرين خصوصاً، حيث يزداد استثمار الذاكرة والهوية والسرديات المحلية ومزجها مع تيارات البوب آرت والتجهيز والفن المفهومي، وهذا ما يسهّل على زائر المعرض الهندي التفاعل مع محتوياته التي يجد معروضات وممارسات مماثلة لها في معارض محلية أيضاً.

معرض الفن الهندي المعاصر: حتى 18 تشرين الأول (أكتوبر) ـــ «مركز بيروت للمعارض» (بيال). للاستعلام: 01/392000