«جاء التعبير أساساً من الفكرة الطبيعية البسيطة، حين كان الإنسان يستطيع الذهاب من بيروت إلى القدس، سيراً على الأقدام، أو بالسيارة، أوبالقطار. كان هناك تواصل جغرافي، سكاني، تاريخي، ذو هوية مشتركة موجودة طوال الوقت. لذلك، فإن هذا الجسر الموصول مع فلسطين، انقطع مع وجود الإحتلال الصهيوني» من هنا ولدت فكرة معرض «جسر إلى فلسطين» وفق ما يحدّثنا التشكيلي الفلسطيني ناصر السومي، وهو أحد الفنانين الأساسيين المشاركين والمعدّين للمعرض الذي أقامه ويقيمه دورياً منذ العام الماضي في بيروت.
المعرض الذي اختُتم أخيراً في «غاليري مارك هاشم»، يقدّم أنماطاً متعددة لفنانين فلسطينيين من جميع التيارات والتوجهات الفني: نجد الفيديو، والتجهيز، والتصوير، والرسم التعبيري، وكذلك «الجغرافيا» الأرضية، فبعض الفنانين الفلسطينيين جاء من الداخل (محمد مسلم من غزّة مثلاً)، بينما آخرون آتون من الولايات المتحدة وبعضهم من القارة الأوروبية. يأتي «لم الشمل» هذا في إطار ممنهج لجمع الفن الفلسطيني في مكانٍ واحدٍ، لما لهذه الفكرة من أهمية كبرى. ليس هناك من مكانٍ واحدٍ يجمّع الفلسطينيين بهذه الطريقة حالياً: «حين تذهب إلى مصر أو لندن أو باريس مثلاً، تجد تجميعاً للفنانين والفن المصريين أو البريطانيين أو الفرنسيين، بينما هذه الميزة لا تتوافر للفنانين الفلسطينيين. هم يعانون على نحو حقيقي غياب مكانٍ يجمّعهم ويجعلهم يعرضون أعمالهم دورياً للتذكير بالقيمة الحقيقية للفن الفلسطيني» يقول السومي. ويؤكد كلامه أن معظم الفنانين الفلسطينيين يقيمون في الخارج كما التشكيلي ستيف سابيلا، وعيسى ديبة الآتيين من الولايات المتحدة.
أما عن كيفية انتقاء الفنانين الفلسطينيين المشاركين في هذه «التظاهرة/ المعرض»، فيشرح السومي أن الفكرة أساساً قامت على دمج الفنانين الفلسطينيين الرواد مع الحداثويين، لكن في النهاية جرى اللجوء إلى حلٍ أفضل وهو إقامة معرضين، الأول يضم الإنتاج الأكثر حداثة، ثم سيُقام لاحقاً معرض خاص بجيل الرواد (صوفي حلبي، اسماعيل شموط، كمال الأكحل، توفيق عبد العال...). لكن ماذا عن بعض الفنانين الكبار الذين يعدون جسراً بين الأجيال أمثال الفنانة الغزية ليلى الشوّا (المقيمة في لندن) التي تزين أعمالها جدران أهم المراكز العالمية في أوروبا، وكذلك جمانة الحسيني التشكيلية والنحاتة المقدسية المعروفة (المقيمة في باريس). يؤكد السومي أنّ هؤلاء أساس في هذه المعارض، فالشوا شاركت في المعرض السابق والحالي، والحسيني شاركت في المعرض الحالي. يقول: «هؤلاء الفنانات هن صلة الوصل بين أجيال عدة، ومفصل مهم وأساسي، وخصوصاً جمانة لأنّ هناك مشروع كتاب عن حياتها وأعمالها سوف يصدر لاحقاً».
ويصر السومي على أنَّ الفنان الفلسطيني تطوّر كثيراً خلال عقودٍ من الزمن. فهو صنع الثورة من خلال الفن، وهذه الثورة الفنية تقاوم الاحتلال والعدو تماماً كما المقاومة المسلحة: «هناك ممحاةٌ كبيرة يحملها الاحتلال هدفها الوحيد محو الشعب الفلسطيني بأكمله. لذلك، فإن أعمالنا الفنية ببساطة هي التعبير الأصدق والأقوى على أنه ليس ممكناً ازاحتنا أو اخفاؤنا، واستمرارية وطبيعة هذه الأعمال تؤكدان هذه الفكرة وتصران عليها. إننا باقون ومستمرون، فنحن لسنا في جمود، بل نسبق احتلالنا بكثير، ونتطور فنياً على نحو لا يمكنه حتى استيعابه». أما المعرض، فسينتقل إلى عواصم أخرى ضمن مشروع قائم للعرض المتواصل والمستمر.