حسين بن حمزة
عاشت بيروت سنة ثقافية كاملة، بعيداً عن كل ما من شأنه أن يُعكِّر صفو أجندتها. لكن هل أعاد التوافق السياسي، حقاً، حالة الازدهار الثقافي الذي تفتقده المدينة؟ احتفل الجميع بـ«بيروت عاصمة عالمية للكتاب»، لكنّ «الطوفان» الموعود تمخّض عن «فرقعة» احتفالية لم ترق إلى الفعل الثقافي الذي من شأنه أن يتسرَّب إلى حياة المدينة. ما الذي تراكمه ثقافتنا سنوياً؟ ما هي الخطوط العريضة لتطور آدابنا وفنوننا؟ ما هي مقترحات الشبان والمبدعين الجدد؟ هل هناك إمكان لفتح سجال بشأن كيفية انخراط المثقفين في الصراع السياسي؟ أسئلة كهذه غالباً ما تُنحَّى إلى الكواليس المُعتمة لفكرة «الحصاد الثقافي» التي تحوَّلت إلى جردة عددية مضجرة بدلاً من أن تكون مناسبة لتقدير التراكم الخفي الذي تصنعه الثقافة في وعينا وصورتنا.
داخل نقاش كهذا، يمكن تلمُّس خسارتنا الثقيلة بفقد بسام حجار شاعراً متفرداً ومترجماً فاتناً، وعدنان حبّ الله محللاً نفسياً. ألمْ يُصَبْ شعرنا في صميمه؟ ألمْ نفقد مؤسسنا في التحليل النفسي قبل أن يكون له تلامذة حقيقيون؟
حسناً، لنعد إلى غلَّة السنة التي كانت مزدحمة. باستثناء الانتقادات التي رافقتها، مرّت مواعيدنا الأساسية بهدوء: «معرض بيروت العربي الدولي للكتاب» الثالث والخمسون، وقبله «معرض الكتاب الفرنسي» السادس عشر... استردَّت مهرجانات الصيف بريقها، فعادت الحياة الطبيعية إلى «بعلبك»، حيث قدم كركلا عرض «أوبرا الضيعة»، و«بيت الدين» و«بيبلوس» و«صور» وغيرها. وجاءت تظاهرة «جان جينيه بعيون عربية» في «مسرح بابل» لتحتضن قراءة جديدة قام بها جواد الأسدي لـ«الخادمتان» مع كارول عبود وندى بو فرحات. وفقد المسرح الغنائي أحد أعمدته برحيل منصور الرحباني، فيما كان للجيل الجديد حضوره مع عصام بو خالد («بنفسج») وعمر راجح («اغتيال عمر راجح»)، وربيع مروة («سكان الصور»)... والحياة التشكيلية بدورها كانت غنيّة، بدءاً بـ«معرض الخريف» التاسع والعشرين، مروراً بحسين ماضي وإيفيت أشقر وسمير خداج وسمير الصايغ ولميا زيادة ومحمد سعيد بعلبكي... بينما فجعت الأوساط الثقافيّة برحيل الرسام إيلي كنعان.
الكتب التي لم تتأثر يوماً بالظروف الأمنية واصلت إيقاع صدورها. في الشعر، ثابرت «دار النهضة» على سلسلتها الشعرية، وقرأنا دواوين جديدة لعباس بيضون (بطاقة لشخصين)، وبول شاوول (دفتر سيجارة، بلا أثر يُذكر)، ومحمد علي شمس الدين (الأعمال الكاملة، اليأس من الوردة)، والياس لحود (قصائد باريس)، وشربل داغر (ترانزيت)، وغسان مطر (للموت سر آخر)، وعناية جابر ( لا أخوات لي)، وصباح زوين (هي التي، أو زرقاء في

انخراط المثقفين في الصراع السياسي
قلب المدينة)، ويحيى جابر (حب في غسالة)، وإسكندر حبش (لا أمل لي بهذا الصمت)، وناظم السيد (منزل الأخت الصغرى)... فيما حضر محمد العبد الله ناثراً في مسرحيتين بالمحكية (الله معك سيدنا، دخلك يا حكيم)، وشوقي بزيع بكتاب «بيروت في قصائد الشعراء»، وسامر أبو هواش مترجماً للشعر الأميركي (15 مجلداً). في الرواية حضر حسن داوود (مئة وثمانون غروباً)، وعلوية صبح (اسمه الغرام)، ومي منسى (حين يشق الفجر قميصه)، فيما عادت ليلى بعلبكي مع طبعة جديدة من كتبها «أنا أحيا»، و«سفينة حنان إلى القمر»، و«الآلهة الممسوخة» (الآداب).
من الإصدارات الأخرى، نذكر «نانسي ليست كارل ماركس» لحازم صاغية، و«الحريم اللغوي» ليسرى المقدّم، و«تطور النظرة الإسلامية إلى أوروبا» لخالد زيادة... وأخيراً، شهدت السنة إعلان أسماء الفائزين في مهرجان «بيروت 39» وإعلان اللائحة القصيرة لجائزة «بوكر» العربية التي تضمنت رواية «أميركا» لربيع جابر. لكنّ الحدثين الأخيرين لن يبلغا تمامهما إلا في عام 2010.