بغداد ــ علي الخفاجييستحيل عزل المشهد الثقافي العراقي عن المناخ العام في البلد، وأجواء الاحتراب السياسي الذي جاء محمولاً على نزاعات طائفية، أذكاها الاحتلال الأميركي، انطلاقاً من مسؤوليته عن انهيار الدولة الوطنية والتشجيع على قيام مؤسسات رسمية ذات أسس طائفية وعرقية. إلا أنّ هذا لم يمنع تحوّل الثقافة إلى إحدى علامات الوجود الفردي بحيويّته وتميّزه. ذلك أنّ المثقف العراقي رفض الدخول في لعبة الانقسامات الفئويّة. وإن حاولت بعض الأسماء تنظيم فاعليات، مدعومةً من جهات طائفية، إلا أنّها ظلت «هامشية» قياساً بالجسد الضخم للثقافة العراقية الذي بدا ضيّقاً على ملابس المؤسسات الرسمية.
لكن إذا كان المثقف العراقي قد قاوم الجرثومة الطائفيّة، إلا أنّ الانقسام القومي فعلَ فعله: المثقف الكردي راح يقدّم نفسه خارج الإطار العراقي، ونسي المثقفون العراقيون «العرب» المثقف «الكردي» في محاولاتهم لإعادة بناء الصّرح الوطني المتصدّع. مؤسسة «المدى» التي يديرها فخري كريم، مستشار رئيس الجمهورية جلال الطالباني، نظمت خلال العام عدداً من المهرجانات التي مثّلت جسر تواصل بين المثقفين العرب والكرد... لكن كثيرين رأوا أن هذه النشاطات تخيّم عليها مصالح وخيارات سياسيّة محدّدة، لا يمكنها أن تخرج من عباءة الاحتلال، أو أن تكون سدّاً ثقافيّاً بوجه مشاريع تفتيت العراق.
ويبدو أنّ الهُوّة بين المُبدع والمؤسسات الحكومية راحت تزداد اتساعاً، إذ اقتصر المسرح العراقي على تقديم أعمال قليلة هذا العام، بإنتاجية محدودة، بسبب ضعف المزانية المخصصة لدائرة السينما والمسرح التابعة لوزارة الثقافة التي توجّه إليها الاتهامات بالانهماك في إقامة مهرجانات دعائية. لكنّ شحّ الإنتاج الحكومي لم يمنع تميّز عروض عراقية في أكثر من مهرجان. إذ نالت بشرى إسماعيل جائزة أفضل ممثلة في «مهرجان القاهرة للمسرح التجريبي»، فيما كُرّم المخرج والممثل المعروف عزيز خيون في المهرجان ذاته عن مجمل أعماله.
كذلك فإنّ سينمائيّين عراقيّين نشطوا هذه السنة في أكثر من مهرجان. بل إنّ 14 شريطاً عراقياً عُرضت في الدورة الثانية من «مهرجان الخليج». وتمكن سينمائيون شباب من إطلاق «مهرجان السينما المتنقلة»، فيما يُحسب لـ«الفرقة السمفونية الوطنية العراقية» وقائدها كريم وصفي إصرارها على تقديم أمسياتها، رغم التهديدات التي تلقّتها من جهات متشددة. واللافت أنّ 2009 هو عام التمرّد على مصادرة الحرية وكمّ الأفواه، إذ شهدت العاصمة ومحافظات أخرى تظاهرات لإعلاميين ومثقفين احتجاجاً على ما وصفوه بالتدخلات الحكومية والسياسية في عمل المشتغلين في الحقل الإعلامي والثقافي.