سفيان الشورابيسنة حالكة بامتياز تضاف إلى السجل الأسود للحكومة التونسية في مجال «احترام» حرية الإعلام والتعبير: اعتقال صحافيين، وأد أول نقابة مستقلة للصحافة، محاصرة الصحف المعارِضة والمستقلّة، حجب للمواقع الإلكترونية... ولائحة طويلة في انتهاك حرية الصحافة. أبرز حدث إعلامي هذه السنة كان «الانقلاب» على القيادة المستقلة لـ«النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين» من صحافيين ينتمون إلى الحزب الحاكم. وبدأت معاناة النقابة مع إصدارها لتقريرها السنوي عن الحريات الإعلامية في تونس، حيث وصفت الوضع بـ«المتردي والتدهور»، فبدأت الحكومة حملات شرسة بهدف القضاء على استقلاليتها. ولمن لم تتوضّح الصورة في ذهنه، هذه عيّنة بسيطة من نضال الصحافيين التونسيين اليومي:
الصحافي سليم بوخذير يتحمّل الضرب كلما نشر نصاً ينتقد أفراد عائلة الرئيس زين العابدين بن علي. الصحافي لطفي حجي محروم الحصول على بطاقة اعتماد بوصفه مراسلاً لـ«الجزيرة». الصحافية نزيهة رجيبة تتعرّض للتفتيش والمضايقة كلما سافرت إلى الخارج وعادت إلى تونس. الصحافي الفاهم بوكدوس ما زال مختفياً هرباً من السجن إثر تغطيته لاضطرابات محلية. الصحافي في قناة «الحوار التونسي» الفضائية أيمن الرزقي مهدّد في كل مرة أراد تغطية نشاط لجهات معارِضة للنظام. الصحافية سهام بن سدرين خاضعة للمراقبة على مدار اليوم من الشرطة، وحملات القدح والذمّ عليها في صحف الحكومة لا تنتهي. أما توفيق بن بريك، فمحكوم بالسجن ستة أشهر، بعد تلفيق تهم له، ولا يزال حتى اليوم قابعاً في سجنه رغم وضعه الصحّي الحرج. قائمة الانتهاكات قد لا تنتهي لتضاف إلى سيل المضايقات والتحريض التي يتعرض لها الصحافيون في المؤسسات الرسمية.
هذا التضييق تجاوز الأفراد ليشمل ثلاث صحف تونسية معارضة هي «الموقف» و«الطريق الجديد» و«مواطنون» التي احتجبت عن الصدور أسبوعاً رداً على المضايقات التي تتعرّض لها خلال عملية التوزيع. وبعدما ضاقت بها كل السبل، اختارت «مواطنون» أن تتحوّل من أسبوعية إلى شهرية.
ورغم كل المشاكل التي يعانيها القطاع الإعلامي في تونس، إلا أنّه ظلّ لسنوات طويلة بعيداً عن تجاذب حيتان المال. لكن هذا العام شهد تحوّلاً. إذ دخل، فهد صخر الماطري ـــــ زوج ابنة الرئيس بن علي ـــــ على الخطّ، فأنشأ عام 2007 الإذاعة الدينية «الزيتونة» قبل أن يشتري هذه السنة «دار الصباح» المعروفة. وقد أثارت الخطوة الأخيرة مخاوف لجهة الخط التحريري لمجموعة الصحف التي تصدرها الدار، وخصوصاً أنّ الماطري يشغل منصباً قيادياً في الحزب الحاكم.
أما بالنسبة إلى المشهد السمعي والمرئي، فيسُجّل للمحطات التونسية حفاظها على المستوى نفسه من الرتابة التي اشتهرت بها منذ عشرات السنين! إذ إنّ القنوات الرسمية لا تجذب المشاهد

وأد أول نقابة مستقلة للصحافة
التونسي إلا خلال شهر رمضان أو عند بثّ المباريات الرياضية. وتحاول القناة الفضائية «حنبعل تي في» أن تكتسح السوق مع «احترام» جميع الخطوط الحمر طبعاً. وقد حاولت فرض نفسها على الساحة من خلال بثّ بعض البرامج الحوارية والاجتماعية التي لاقت نجاحاً كبيراً رغم الصعوبات.
وفي وجه هذه الصورة القاتمة، يوجّه التونسيون أنظارهم إلى الفضائيات الإخبارية العربية للبحث عن أخبار محليّة لا تنقلها محطاتهم. وكما كان متوقعاً، وجهت السلطات التونسية سهامها إلى هذه الفضائيات، وخصوصاً «الجزيرة» التي لا يكاد يمرّ أسبوع واحد من دون أن تتعرّض لهجوم من إحدى الصحف الموالية لنظام بن علي.
ولم تسلم الشبكة العنكبوتية من يد «الرقيب»، فجنّدت السلطة مئات المختصين لمراقبة ما تنشره المواقع والمدونات الإلكترونية، فتُحجَب تلك التي تنتقد النظام. وخلال شهر تشرين الثاني (نوفمبر)، اعتُقلت المدونة فاطمة الرياحي لبضعة أيام قبل أن يُطلَق سراحها مجدداً.
إذاً، كانت سنة حافلة بمزيد من التراجع على الصعيد الإعلامي، ما يبرّر احتلال تونس المرتبة الـ143 على لائحة «حرية الصحافة» وفقاً لتصنيف منظمة «مراسلون بلا حدود».