strong>روسيا مستشفى مجانين والدار البيضاء جحيماً مجازيّاًهواة الفنّ السابع في العاصمة السوريّة يشهدون زخماً موسميّاً هذه الأيّام، بفضل التظاهرة الشهيرة التي تستضيف، في دورتها السابعة عشرة، أعمالاً من مصر وتونس والجزائر والمغرب... إضافة إلى شريطين يمثّلان البلد المضيف، لماهر كدّو وجود سعيد. رحلة إلى قاع المجتمعات العربيّة، وجردة حساب مع تاريخ من الهزائم

دمشق ــ خليل صويلح
مرةً كل عام، تجتاح الحمّى السينمائية الصالات الدمشقية، ثم تعود إلى رقادها الطويل. المناسبة هي «مهرجان دمشق السينمائي» في دورته الـ17 التي انطلقت في صالة «دار الأوبرا»، وتستمر حتى 7 نوفمبر. تظاهرات بالجملة تستعيد أرشيف الكبار، بدءاً بالمعلّمين الألماني فريتز لانغ والإيطالي فدريكو فيلليني، وانتهاءً بالروسي نيكيتا ميخالكوف والأميركي سيدني بولاك... وإن شئت هناك مارلين مونرو، أو آلان دولون، ناهيك بتظاهرة، لا بدّ منها، وخاصة بالأفلام الفلسطينية. وعلى البرنامج تكريم لنجوم ومخرجين بينهم يسرا وأمير كوستوريتسا ونجدة أنزور.
في بهو فندق الشام، نستعيد المشهد نفسه في بروفات مكررة: نيللي، وإلهام شاهين ومحمود عبد العزيز وسميّة الخشاب وحسين فهمي، وحشد من النجوم المصريين. فيلم الافتتاح «حليب الأسى» («جائزة الدب الذهبي» في «مهرجان برلين») للبيروفية كلوديا يوسا، يستعيد فترة قاتمة من تاريخ أميركا الجنوبية: اجتاح البلاد وباء أزهق أرواح الآلاف، لكنّ هذا الوباء سيتحوّل إلى خوف تعيشه النساء في البيرو خلال الثمانينيات والتسعينيات محصلة لعمليات اغتصاب واضطهاد وعنف عاشته البلاد.
ماهر كدو يرصد الانتفاضة الأولى، أما جود سعيد فيعود إلى الحرب اللبنانية واجتياح الـ٨٢
في مسابقة الأفلام الروائية الطويلة التي يرأسها الفرنسي ريجيس فارنييه، يتنافس على جوائز المهرجان 20 فيلماً من 18 دولة. سيتاح لنا ضمنها مشاهدة فيلمين سوريين يعرضان لأول مرة، فيما يغيب عن البرنامج «الليل الطويل» لحاتم علي (راجع المقال ص 17) الذي حاز عدداً من الجوائز العالمية. الفيلم الأوّل هو «بوابة الجنة» لماهر كدو، يرصد الانتفاضة الفلسطينية الأولى (1989) وتأثيرها على عائلة تعيش في الضفة الغربية.
ويقترح جود سعيد في «مرةً أخرى»، أولى تجاربه الروائية الطويلة، صورةً أخرى للحرب الأهلية اللبنانية والاجتياح الإسرائيلي لبيروت (1982)، ليغلق القوس على حرب (2006). مستويان متوازيان للسرد، يتكشّفان عن حكايات متجاورة بطلها ابن ضابط سوري شهد الحرب بصحبة والده. على خلفية قصة حب بين الابن الذي سيفقد ذاكرته، وهو في الخامسة عشرة، وشابة لبنانية موظّفة في أحد المصارف. يغوص الشريط في مصائر وحميميات، تنأى عن مجريات الحرب، ليرسم نهايات غير متوقعة. هل سيفوز الفيلم بإحدى جوائز المهرجان؟ التوقعات تؤكد ذلك، أقلّه كي لا تخرج الدولة المضيفة من دون جوائز.
هناك أيضاً «المسافر» للمصري أحمد رضوان، أحد أقوى الأفلام المرشحة لجوائز المهرجان، بعدما عاد خائباً من مهرجانات مهمة مثل «البندقية». يرصد الشريط أحوال ساعي بريد (عمر الشريف) خلال ثلاثة أيام متباعدة من حياته، لكنها أيام مفصلية؛ أوّلها عام 1948 تاريخ أول حرب بين العرب وإسرائيل، والتي انتهت بالنكبة الفلسطينية، والثاني حرب أكتوبر، في أول مواجهة حاسمة بين مصر وإسرائيل، وتنتهي عند أحداث ١١ أيلول (سبتمبر) 2001، وتأثير هذه المحطات على المجتمع العربيولعل مفاجأة الأفلام العربية ستكون مع CasaNegra للمغربي نور الدين لخماري. فيلم مثير للجدل بدءاً من عنوانه، أراده صاحبه رسالة مباشرة، صادمة، عن أحوال القاع في المجتمع المغربي. الدار البيضاء تتحول إلى الدار السوداء عبر مغامرة شابين يعيشان على هامش المدينة العريقة، وفي عوالمها السفليّة... يشتمل الفيلم على جرعة غير مسبوقة في فضح المسكوت عنه، وتعرية الواقع المغربي عبر تصويره من دون مساحيق: فقر وبطالة وعصابات، وعنف وقبح معماري أطاح النمط الهندسي الكولونيالي الذي طالما طبع أحدث مدن المغرب وعاصمتها الاقتصاديّة. قصص صداقة وتشرّد وأحلام بالهجرة، وفجاجة متعمّدة، تصل بإحدى الشخصيات إلى حدّ ممارسة العادة السرية... لكنّنا لا نعرف إن كانت تلك اللقطة ستعرض في دمشق. ويصوغ الجزائري أحمد الراشدي في «مصطفى بن بولعيد» بورتريه لأحد ثوار الأوراس أثناء الاحتلال الفرنسي للجزائر، ومكابداته في صفوف الحركة الوطنية الجزائرية وقيادة الثورة المسلحة في منطقة الأوراس. يحكم عليه بالإعدام، لكنه يتمكّن من الفرار، ويعود للانخراط في الثورة إلى أن يُقتل بانفجار لغم.
ويتقاطع «ثلاثون» للتونسي الفاضل الجزيري مع الفيلم الجزائري في مقاربة سيرة المصلح الطاهر الحداد، في محاولة لإضاءة دور المثقف التونسي في الصحوة الوطنية خلال الثلاثينيات. أما «الانتصار» للإيطالي ماركو بيلوكيو، فيتناول سيرة موسوليني الشاب وصعوده إلى السلطة محمولاً على أفكار الفاشية، وقصة سريّة عن ابن غير شرعي رفض موسوليني تبنّيه.
هناك أيضاً «عشرون» للإيراني عبد الرضا كاهاني: نظرة نقدية مغايرة لتحولات المجتمع الإيراني. الفيلم الروسي «عنبر رقم 6» لكارين شاخنزاروف، ينقل رائعة تشيخوف التي تدور في مصحة عقليّة إلى الزمن الراهن في روسيا، لتتحول البلاد بأكملها إلى مصحة جماعية. أما فيلم الختام، فسيكون «مفتون للأبد» للصيني تشن كايغه. فيلم تاريخي يصوّر حياة لانفانغ، أحد أشهر فنّاني الأوبرا في تاريخ الصين، وقد اشتهر بأداء الأدوار النسائية، فيما يعيش حياة مختلفة، وقصص حب تراجيدية وغامضة.
www.damascusfest.com