صدام الثقافات المحليّة مع قيم العولمة، قضيّة المهاجرين العرب في أميركا، حرب العراق، صراع الأجيال... مكوّنات جدليّة ثقيلة دسّتها شيرين دعيبس في باكورتها «أمريكا». الشريط الذي يعرض ابتداءً من ٥ تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري في صالة «متروبوليس أمبير صوفيل» (بيروت)، تجربة سينمائيّة يختلط فيها العام بالخاص. شيرين دعيبس ابنة العائلة الأردنيّة الفلسطينيّة، عاشت طفولتها بين الولايات المتحدة والأردن، قبل أن تستقرّ في نيويورك، حيث تقيم حالياً. قصّة بطلتها منى (نسرين فاعور)، تُشبه في تغريبتها، وعيشها على الحافّة بين حضارتين ولغتين، الكثير من تجربة المخرجة نفسها.
تبدأ قصّة الشريط كلّها، حين تتلقّى الفلسطينية منى رسالة تبلغها أنّها حازت وابنها فادي (ملكار معلّم) تأشيرة أميركيّة. موظفة البنك هذه، هجرها زوجها من أجل فتاة أصغر وأنحف بطبيعة الحال. يصوّر الشريط معاناتها على حواجز الاحتلال الإسرائيلي، قبل أن ينقلنا مباشرةً إلى حواجز أخرى، بدءاً من المطار الذي ستنتقل عبره إلى بلاد العم سام، وصولاً إلى لائحة طويلة من الحواجز
يطرح«أمريكا» إشكاليّة الانتماء وجرح الهويّة
الثقافيّة.هكذا، تدخل العائلة الصغيرة، حلقة مفرغة من الأفكار المسبقة والتلميحات العنصريّة. في ولاية إلينوي، تلتحق منى بشقيقتها رغدة (هيام عباس)، زوجة الطبيب، والأم لثلاثة فتيات. هناك، تبحث عن عمل، فلا تجد إلا مَن يسألها إن كانت من فلسطين، ذلك البلد «الذي يتحدث اللغة اليهوديّة»، أو يطلب منها أحدهم ممازحاً بسماجة ألّا تفجر المكان. في النهاية، لا تجد منى، رغم خبرتها المصرفيّة الطويلة، إلا عملاً في مطعم للوجبات السريعة. في موازاة ذلك، نتابع في منزل شقيقتها رغدة جدال الأم مع ابنتها البكر سلمى التي تتحوّل إلى دليل سياحي لابن خالتها فادي، في عالم الشباب الأميركي. أسلوب حياة المراهقة لا يلقى إعجاب أمّها، فتؤنبها مرّة: «بديش بناتي يتصرفو متل بنات الأمريكان». تجيبها سلمى: «نحن أميركيّون»، هنا تستشيط الأم غيظاً، وتقول لها: «اسمعي حبيبتي، طالما أنتي عايشة تحت سقف هاد البيت، إنتي في فلسطين». فتصرخ الفتاة بالإنكليزيّة: You’re Delusional أي أنت متوِّهمة. أمّا في المدرسة، فتدور الصدامات بين سلمى وابن خالتها فادي من جهة، والطلاب الآخرين من جهة اخرى. على خلفية الحرب الأميركيّة على العراق عام 2003.
يغرق الفيلم في بعض الأحيان في الكليشيه اللذيذ، عن اندماج الحضارات، وعن تعلّق المهاجرين بذيول الحلم الأميركي. لكنّ حساسيّة المخرجة تنجح في انتشاله من ذلك المستنقع، من خلال إظهار الحقيقة النقية في إطار فكاهي خفيف، ومواقف إنسانيّة حقيقيّة ومرهفة.


ابتداءً من 5 تشرين الثاني (نوفمبر) في «متروبوليس» (بيروت) للاستعلام: 01/204080