سناء الخوري
في فضاء دير قوطي من دون سقف وسط برلين، علَّق صلاح صولي (1962) سترات رماديّة وسوداء. تقاسم التشكيلي اللبناني المكان مع زميلته الألمانيّة سوزانا روأوف، ليخرجا بتجهيز CON-Fusion، المعروض منذ 2 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي. أكثر من 200 زائر في اليوم تدفقوا إلى دير الفرنسيسكان الذي يبلغ عمره ثمانية قرون.
هناك، تستقبلك سجادة حمراء، في ممرّ يقود إلى قلب المكان. عن قرب تتحوّل تلك السجادة (15 متراً)، إلى مربعات مطلية بالأحمر، كجزر في أرخبيل، يصعب السير عليها. فوقها، علّق صولي سترات حداد، قد تبدو سرب غربان طائرة إن نظرت إليها من الأسفل. إنّها أيضاً «بقع سوداء تلطّخ التاريخ الذي لم يترك مكاناً لمعاناة الفرد ومصيره اللذين فرضاه عليه الحرب والعنف»، بحسب رالف هارتمان مدير «غاليري نورد» (برلين).
الدير الذي يحتضن العمل مساحة فريدة في قلب العاصمة الألمانيّة. إنّه الشاهد الوحيد على دمار خلفته الحرب العالميّة الثانية. ليس المكان محايداً إذاً، بل موظف في تجهيز استغرق إعداده 8 أشهر بين تفكير وتنفيذ.
في العنوان دلالتان متضاربتان: المزج والانصهار، أو الارتباك والضعضعة. لكنّ مرادفات الحرب والفقد والذاكرة تبقى الحاضر الأبرز. السترات الطافية كأشباح من الماضي، تحمل بعداً عدائياً، وخصوصاً إذا تخيلت السجادة الحمراء نهر دماء. تختلط المفاهيم هنا، كأنّك في ضيافة التاريخ ودوامة بقاياه، في وقفة صمت مهيبة.

CON-Fusion عن اختلاط المفاهيم في دوّامة التاريخ


صولي الذي تخرّج من «معهد الفنون الجميلة» في بيروت عام 1984، شدَّ الرحال إلى ألمانيا، وتابع دراسته فيها. عرضت تجهيزاته في مختلف أنحاء أوروبا، مع محطات بيروتيّة متفرقة لكن خجولة. في مجال الفنون البصريّة، ينحو صولي باتجاه تقنيّة حرفيّة، تحمل أفكاراً مغرقة في الابتكار ومسكونة بهواجس إنسانيّة عميقة. عام 2003 مثلاً، صمّم لوحات هي أعلام لنصب الحروب التذكاريّة بين لبنان وألمانيا، ومنحها عنوان «غلوريا»، أي النصر. اختار يومذاك ألوان الـ«بوب آرت»، في محاولة لتجريد تلك التماثيل من معناها الأسطوري. في أعماله البصريّة عموماً، تمرّ صور مفقودين في الحرب، أحذية قتلى مرميّة، بيت معلّق... هواية الرجل المفضلة تبدو على الأرجح تعليق الأشياء المنسيّة في الهواء، أو على جدران الذاكرة.


حتّى 15 تشرين الثاني (نوفمبر) ــــ «دير الفرنسيسكان»، برلين، ألمانيا ــــ www.salahsaouli.net