إجماع على الوضع البائس الذي يعيشه هذا الجنس الأدبي... ونقاشات توحي بأن المشاركين هم في “مأتم القصة”... ومسك الختام جائزة لزكريا تامر
القاهرة ـــ محمد شعير
لا مفاجأت في مؤتمر القصة القصيرة الذي اختَتم أمس في القاهرة. ذهبت الجائزة إلى السوري زكريا تامر (100 ألف جنيه). أما المناقشات فلم تقدّم جديداً! “الحقائق القديمة صالحة لإثارة الدهشة” كما يقول الراحل يحيى الطاهر عبد الله، الذي حمل المؤتمر اسمه. المقولة صالحة مع بعض التحريف، لتناسب ما جرى في المؤتمر. لم يكن مدهشاً في ظل الإعداد المتواضع أن يجد كتّاب الرواية أنفسهم مدرَجين في البرنامج لقراءة أعمالهم القصصية، وكثير منهم لم يكتب قصة قطّ. ولم يكن غريباً أن يتحدث قاصّ من جيل الخمسينيات عن “مستقبل القصة” ناصحاً الكتّاب الشباب (ربما يقصد جيل الستينيات) بقراءة فيرجينيا وولف وجيمس جويس. وكان مدهشاً أن تجارب أحدث ظهرت منذ موت هؤلاء! هكذا، خطّطت لجنة الإعداد لمؤتمر يرضي الجميع، فاذا بها لا تُرضي أحداً. كل المشاركين كانوا روائيّين. والذين أخلصوا لفن القصة، لم يحضروا. غاب محمد المخزنجي والسوري إبراهيم صموئيل (لم توجّه إليه الدعوة)، وكتّاب عراقيون لم يحصلوا على تأشيرة (حاتم الصكر وعبد الرحمن مجيد الربيعي). لكن ما هو السؤال المهم الذي طرحه المؤتمر؟
ربما كان من الحسنات تخصيص جلسات نقدية عن “وضع القصة في البلدان العربية”. اتفق النقاد على وضعها المأزوم. السعودية كانت استثناءً، كما أوضح الروائي يوسف المحيميد: “في وقت صدرت فيه 55 رواية العام الماضي، صدر أيضاً 55 مجموعة قصصيّة”. لكن المشكلة هي الناشرون في بيروت، الذين يرفضون نشرها. وهو الأمر الذي أكّده جورج حجا حين قال “القصة غائبة في لبنان”.
أما في تونس، فالقصة في حالة «انحطاط» كما قال عز الدين المدني “عشرات يكتبونها لكنها ليست بالمستوى الجيد”. لكنّ الناقد محمد الخبو اختلف معه، إذ رصد ثلاثة ملامح للقصة التونسية، مؤكداً على “السرد الذي ينحو صوب التلاشي”، وتتّجه فيه القصة إلى أن تصبح شيئاً آخر مثل “قصيدة نثر”. القصة الليبية حسب إبراهيم الفقيه تتنازعها أربعة اتجاهات واقعية وعاطفية، وذات جذور شعبية. وأخيراً “القصة المعاصرة” التي تنتمي إلى الواقع، وتحاول البحث عن آفاق جديدة. أما المغرب، فقد أصبح الهاجس الذاتي هو المسيطر، وأضحت القصة “لا تحتفي بالحكي، ولا بالهموم الاجتماعية”.

النشر الإلكترونيّ أدّى إلى رواج نصوص ملأى بالأخطاء
اليمن أفضل حالاً، وفق القاصّ محمد العربي عمران “تسمّى اليمن كوكب القصة لكثرة من يتعاطون هذا الفن. حتى إننا أسسنا فى بداية التسعينيات نادياً لها”. أما مصر، فلخّص الناقد هيثم الحاج علي المشهد بمقولة شكري عياد: “حين تكون الطبقة الوسطى طامحة، تزدهر الرواية. وحين تكون الطبقة الوسطى مأزومة، تزدهر القصة”. وإن كان الروائي إبراهيم عبد المجيد يرى أن ازدهار فن مقابل آخر هو مجرد «نوبات». إذ ازدهرت القصة بعد هزيمة 67. ومنذ السبعينيات، احتلت الرواية المشهد.
الأهم والأخطر من وجهة نظر إبراهيم عبد المجيد “ظهور نصوص تقترب من النكتة، أو الصورة القلمية في الإعلام، ويجري التعامل معها باعتبارها قصّة. وهذا هو التحوّل الحقيقي الذي تتحمّل مسؤوليته الصحافة”. وهو ما أشارت إليه الناقدة السورية شهلا العجيلي، في حديثها عن القصة السورية “النشر الإلكترونيّ أدّى إلى رواج نصوص كارثية ملأى بالأخطاء”. العجيلي لخّصت المشهد القصصي السوري في جملة واحدة: “لا يوجد ورثة حقيقيون للكبار، لعبد السلام العجيلي وزكريا تامر”.
أما العراق فوفق الناقدة بثينة الناصري “القصة هي رواية خبر. والأخبار في العراق لا تنتهي. من هول المأساة، لا نكتب القصص”. أمّا في فلسطين والأردن، فالسنوات العشر الأخيرة حسب فخري صالح “شهدت انحساراً في الكتابة القصصية. ربما بسبب غياب المنابر التي تنشر هذا الفن”. هكذا دارت النقاشات كأن الجميع في “مأتم القصة”. وهو ما أشار إليه القاص محمد عبد النبي “كأنها فنّ مهدد بالانقراض”. لكن الروائي خيري شلبي قاطعه مؤكّداً: “نحن لسنا في مأتم القصة، فهي ما زالت بخير”.