محمد خيرقد يختلف النقّاد والأدباء بشأن أهمية «مؤتمر القصة القصيرة» الذي اختُتم في القاهرة، لكن من الصعب الاختلاف على أهمية المجلّدات الثلاثة التي أصدرها المؤتمر. الكتب الثلاثة التي حملت عنوان «من عيون القصة المصرية ـــــ مختارات قصصية»، ضمّت حوالى 200 قصة قصيرة للعدد نفسه من الأدباء، بدءاً من محمد تيمور، الذي يُنسب إليه افتتاح ذلك الفنّ الأدبي في مصر، وصولاً إلى الأدباء الشبان من الأجيال الجديدة. بل يضم الإصدار نصوصاً من مجموعات قصصية ما زالت قيد النشر. هكذا، تُقدِّم الكتب الثلاثة ـــــ عبر مجموع صفحات يقترب من الألفين ـــــ مشهداً تاريخياً للقصة القصيرة المصرية عبر قرن من الزمن، تتجاور فيه أسماء نجيب محفوظ ويوسف إدريس وإبراهيم أصلان، إلى جانب الأسماء الحديثة مثل طارق إمام ومحمد صلاح العزب ومحمد عبد النبي، وكاتبات رائدات مثل لطيفة الزيات وجاذبية صدقي، بجوار شابات منهن مي خالد ومنصورة عز الدين ونجلاء علام. كلاسيكيون إلى جانب تجريبيّين، حكواتيون إلى جوار ذهنيين، أجيال وتيارات وأزمنة تتسابق وتتقافز من هنا إلى هناك، لا تتحرك بانسيابية بل حركة متوترة تصعد وتهبط خلال الصفحات. ببساطة لأن ترتيب الكتاب لم يأت زمنياً بل أبجدياً، لماذا؟ يشرح حسين حمودة ـــــ محرر الإصدار ـــــ في المقدّمة: «آثرنا الترتيب الألفبائي لأسباب شتى، فمجموعة من القصص في هذا الكتاب ليست منشورة بعد (..) بما يجعلها لا تندرج في أي ترتيب زمني ممكن، وكثرة من قصص هذا الكتاب نُشرت في دوريات أو مجموعات، متزامنة أو شبه متزامنة، بما يجعل أيّ ترتيب زمني لها مواجهاً بمشكلات شتّى». ويستبق حمودة نقداً متوقّعاً بقوله: «لا نستطيع ولا أحد يستطيع الزعم أن هذه المختارات تمثّل أفضل ما خطّ كتّابها وكاتباتها (...) وعلى ذلك، فالمأمول أن تُقرأ هذه القصص بوصفها محض «تمثيلات» مهمة من تجارب أصحابها الإبداعية، لا اختزالاً لهذه التجارب، ولا تعبيراً نموذجياً، كافياً ونهائياً عن ملامحها ومعالمها جميعاً».

«تمثيلات» مهمة من تجارب أدبيّة... لا اختزالاً لها
لكن كيف جاءت الفكرة؟ الحكاية يحكيها الروائي خيري شلبي، وهو مسؤول لجنة القصة في المجلس الأعلى للثقافة. يتحدث في افتتاحية الإصدار، عن طموحه القديم بإصدار كتاب يضم مختارات من عيون القصة المصرية، طموح تجدد عند اتخاذ القرار بإقامة «ملتقى القصة القصيرة»، فقضى أعضاء لجنة القصة عاماً في اجتماعات لتحديد القصص المنتقاة، البحث عن النادر والرائد والمؤثر في تاريخ القصّ المصري. ثم ما لبثت الفكرة أن تطورت لتضم الأجيال الأحدث. ورغم الخوف من أن «يقودنا التوسع إلى التنازل عن طموحنا الباحث عن القيمة في مستوياتها العالية»، فإنّ الرأي استقر في النهاية على مشاركة الشبان «فلا معنى لأن نحرمهم التمثيل في هذا الكتاب بذريعة أننا نحتفي بالنخبة». هكذا، اختار أعضاء اللجنة قصص الكتاب باستثناء قصص الأجيال الحديثة. إذ طلبت اللجنة من الشبان المختارين أن يرشح كل منهم/ منهن القصة التي يرى أنها «تمثّله فينا» وذلك لأن «المقاييس الفنية التي يؤمن بعضنا بها ـــــ يقول خيري شلبي ـــــ قد تكون غير ذات أهمية في نظر الكثيرين من الشبان».