سناء الخوريشهادة عن بيروت الستينيات، كما رآها طفلٌ افترش حينها قطعة كرتون في ساحة الشهداء. الشاعر اللبناني باللغة الفرنسيّة أنطوان بولاد وجد هذه الشهادة ضروريّة، لاستكمال صورة الكتابة في «بيروت عاصمة عالميّة للكتاب». وخيراً فعل! ذلك الطفل هو فيصل فرحات، يروي في «يوم بدأت الكتابة»، سرديته الأولى، كما يسمّيها. الكتاب الذي صدر العام الماضي عن «دار الفارابي»، وجد طريقه إلى الفرنسيّة على يد بولاد. تحت عنوانLe jour ou je commençais à écrire (دار درغام)، نقرأ صياغة الشاعر لقصّة بائع الكعك والغريبة والـ«شيكلتس». ترجمة جاءت طريّة مرهفة، قريبة إلى إحساس السيرة الأصلي.
فيصل ابن العاشرة، كان يدوّن مجريات نهاراته، وأحاديثه مع النساء اللواتي كان يلتقيهنّ. بين الروشة، والترامواي، والمتحف، والمنارة، نقرأ هنا قصّة والده البخيل، ووالدته التي كانت تتحسّر على غياب القهوة الدائم عن بيتها، والقروش التي كان يخبّئها في مؤخرته. كانت الكتابة له وسيلة تعبير أنجع من النطق الصعب. ثم تحولت لاحقاً إلى قصّة انتحار مؤجل، كان ما بعده حياة في ظلّ نظرة
صدر الجزء الثاني من سيرته بعنوان «رهبة الكتابة» ( دار نلسن)
نشوة. بدأ كلّ شيء حين ذهب يرمي نفسه عند شاطئ «السان جورج». ردعته نظرة في عيني امرأة تركت جسدها لمداعبات رجل عند ذلك الشاطئ. نقرأ تأويلات طفل في العاشرة لتلك الصرخة الصامتة. يعتقد فيصل فرحات أنّ ترجمة سيرته إلى لغة أجنبيّة هي صيرورتها الطبيعيّة. «كتبت الكتاب باللغة العربيّة، لكن بنفس غربي»، يقول. ثمّ يستطرد: «أنا حرّ، وأحبّ الفكر الحرّ». عموماً، يعرّف نفسه بكلمتين لا ثالث لهما: حرّ وفقير. هو بائع كتب قبل كلّ شيء. يتسلّى بطلاء الجدران بين وقت وآخر. إلى جانب بيع الكتب، يقرأ اليوم كتاب «حكمة الغرب» للفيلسوف الإنكليزي برتراند راسل. سيتفرّغ في الأيام المقبلة لحدث أدبي، هو الثاني في شهر واحد بعد صدور ترجمة باكورته. إذ صدر الجزء الثاني من سيرته «رهبة الكتابة» (دار نلسن). يخطّ هنا سيرة مزدوجة: يكتب نفسه حين بدأ يكتب فيلم سينما، وكان حينها في الثانية عشرة من عمره. «أكتب من طفولتي كي لا أكتب ما يحدث الآن»، يصرّ. «بيروت تلك كانت مختلفة، وخصوصاً بطبيعة علاقاتها الاجتماعيّة بين مختلف الطوائف قبل الحرب». كتابة الذكرى عنده تحدٍّ لواقع يصفه بالمقرف. يصرّ أن يكتب إذاً، رغم أنني «ما زلت أرتكب أخطاء إملائية كثيرة حتّى الآن».