من «أيام الغضب» حتى «بلقيس»، تحوّل المخرج السوري ـــ الفلسطيني إلى أحد الأسماء البارزة على الساحة الدرامية. مسلسله الجديد الذي بقي عشر سنوات حبيس الأدراج، ينطلق تصويره مطلع 2010 بمشاركة نخبة من الممثلين العرب
وسام كنعان
ما إن دخل الساحة الدرامية في سوريا حتى بدت بصمات باسل الخطيب (1962) واضحةً: من «أيام الغضب» و«نساء صغيرات»، مروراً بـ«هوى بحري» و«هولاكو»، وصولاً إلى «بلقيس» الذي عرض في رمضان الماضي، ثبّت المخرج الفلسطيني ــــ السوري قدَميه على الساحة الفنية في سوريا. لم يقف طموحه عند حدود الشام، بل فرض نفسه على الدراما المصرية فأخرج مسلسل «ناصر» و«أدهم الشرقاوي».
غير أنّ تجربة الخطيب في القاهرة تطرح علامات استفهام عدة، تماماً كما هي الحال بالنسبة إلى كلّ المخرجين السوريين الذين يتوجّهون إلى «هوليوود الشرق»: ما الجديد الذي يقدّمه السوريون للدراما المصرية؟ وكيف يمكن مخرجاً لا ينتمي إلى بيئة معيّنة أن يقود مجموعة ممثلين يتحدرون من هذه البيئة؟ لا تربك هذه الأسئلة الخطيب. يقول: «لا يمكن أن نتحدّث عن البيئة المصرية كأننا قادمون من كوكب آخر، أو كأن مصر تقع في مجاهل قارة نائية. البيئة المصرية عربية خالصة، ونحن نعرفها جيداً». ويشير إلى أنّ السينما والأدب المصريَين أسهما في تعرّف العرب أكثر إلى مصر، و«نحن نقدّم أعمالاً درامية لا فولكلوراً تراثياً. بالتالي، يجب أن ينصبّ الاهتمام على جوهر الأمور لا الشكل».
ولتأكيد كلامه، يسرد الخطيب أمثلة كثيرة عن مخرجين استطاعوا اختراق مجتمعات غريبة عنهم. وأبرز هؤلاء المصري توفيق صالح الذي قدّم شريط «المخدوعون» الذي صُوِّر في سوريا، والراحل مصطفى العقاد الذي قدّم «عمر المختار» في ليبيا. ويرى الخطيب أن كلمة الفصل في نجاح أي مسلسل هي المصداقية «التي هي المعيار الأساس بغض النظر عن انتماءات المخرجين وهويّاتهم». ويحكي عن أمور لفتته خلال عمله في مصر، «رغم التقاليد وآليات العمل السائدة والمعتمدة هناك، إلا أنّ ثمة توقاً حقيقياً لدى الفنانين والمنتجين إلى ما هو جديد سواء من ناحية الأفكار، أو أسلوب العمل». وبعيداً من تجربته المصرية، يرى الكثير من النّقاد أنّه رغم موهبة الخطيب، فإنه لم يختر منذ فترة نصّاً جيداً. يختلف المخرج الشاب مع هؤلاء. مع ذلك، فهو يعترف بأنه لا يمكن أي مخرج، عربياً كان أم أجنبياً وسواء قدم تجارب سينمائية أم تلفزيونية، أن يحقق النجاح ذاته في كل أعماله.
آخر تجارب الخطيب التلفزيونية كان المسلسل التاريخي «بلقيس» الذي عُرض في رمضان الفائت. في هذا العمل، استمرت عمليات التصوير حتى السابع والعشرين من شهر رمضان، فيما كانت حلقات المسلسل تُعرض على شاشة «دبي». هكذا يكون العمل قد أُنجز في ظروف تتسم بالاستعجال، ولم يتمكّن المخرج من تنفيذ الحد الأدنى من خياراته الفنية. هذا إضافة إلى عدم إمكان إعادة تصوير أي

تبقى فلسطين محور قضيتنا العربيّة وهناك تقاعس من الفضائيات وشركات الإنتاج

مشهد بعد إنهاء عمليات التصوير، حتى لو شاب العمل بعض الأخطاء. يرفض الخطيب هذا التحليل، مؤكداً أن الحالة الوحيدة التي اضطر فيها لإعادة تصوير بعض المشاهد كانت بسبب تبديل بعض الممثلين. انطلاقاً من هذه المشاكل، يشرح لـ«الأخبار» بعض ما يواجهه في عمله «في الدراما، يُجبر المخرج على تصوير أكثر من ألف مشهد خلال أربعة أشهر، وبمستوى فني لائق، بينما في السينما يصوّر مئة مشهد فقط في خلال نصف هذه المدة. مع ذلك، فإن لهذا الشرط القاسي تداعيات إيجابية أحياناً لأنه يخلق لدى المخرج المزيد من التحدي والاستفزاز. «لكن علينا أن نتفق أنه لا يمكن تحقيق عمل فني متكامل في ظلّ الشروط المفروضة، وأوّلها عنصر الزمن».
وعن مشاريعه المقبلة، يستعد باسل الخطيب لتصوير فيلمَين هما «حياة» و«أطفال شنلر» كما يبدأ مطلع عام 2010 تصوير «أنا القدس». المسلسل الذي بقي في الأدراج عشر سنوات، كتبه المخرج بالتعاون مع شقيقه ثليد الخطيب، ويتناول تاريخ القدس الحديث منذ عام 1917 حتى 1967، مركزاً على الأحداث السياسية والثورات التي شهدتها المدينة في وجه الاحتلال، من الإنكليز حتى الاحتلال الإسرائيلي. وتشارك في العمل مجموعة ممثلين من سوريا ولبنان والعراق وفلسطين والأردن ومصر، بينهم صبا مبارك وأمل عرفة وعبد المنعم عمايري وغسّان مسعود وأسعد فضة وريم علي وطلحت حمدي. ورغم أن الخطيب أحد أكثر المخرجين الذين كانوا معنيين بتقديم أعمال عن القضية الفلسطينية، إلا أنه يرى أنه مهما قُدِّم عن هذه القضية، فإنّه لن يناسب حجم المأساة. ويحمّل المخرج مسؤوليةً كبيرة للفضائيات «هناك تقاعس من الغالبية العظمى من الفضائيات العربية وشركات الإنتاج في مسألة تمويل وعرض أعمال عن فلسطين التي تبقى، شاء من شاء وأبى من أبى، محور قضيتنا العربية».


النصّ أولاً

عن المشكلة التي طرحها عدد من كتّاب السيناريو السوريين في الفترة الأخيرة، وهي إجراء المخرجين تغييرات على النصّ، يقول باسل الخطيب (الصورة) إنّ نسبة 50 في المئة من نجاح المسلسل تعتمد على النص. وهنا، يشتكي من ندرة النصوص الجيّدة. ثم يعطي أمثلة على كيفية تعاطي المخرجين والكتاب في ما بينهم في الغرب. «الكاتب هناك يقدِّر دور المخرج ووجهة نظره. وهذا أمر لا يدركه عدد من كتّاب السيناريو لدينا، وخصوصاً أنهم يعتقدون أنه لا يجوز المساس بكلمة واحدة مما كتبوا». ويضيف: «لقد كتبت بعض سيناريوهات أعمالي. وخلال التصوير، كنت أجري تعديلات كثيرة على الورق»