دمشق ــ خليل صويلحشخوص جبر علوان الذين اعتدناهم في معارض سابقة، وفي حالات تعبيرية مختلفة، نجدهم هذه المرة مجتمعين في فضاء واحد هو المقهى. ها هم يقتحمون الكراسي ويتأملون الحياة عبر النوافذ وعلى الأرصفة. أشخاص متوحّدون، يعيشون عزلتهم إلى حدودها القصوى، فزحام المكان لا يعني حواراً إنسانياً بقدر ما يؤكد العزلة بمعناها الوجودي العميق. معرض «مقاهي جبر علوان» الذي تستضيفه «غاليري آرت هاوس» في دمشق، تتوزعه شوارع دمشق، وبيروت، وروما، وباريس. لكن المقهى هنا كحيّز مكاني، هو مجرد ذريعة لاقتناص لحظات استثنائية، سوف تكون مركز ثقل اللوحة، أو الكتلة التي تتناسل منها لطخات اللون والخطوط، لتؤطر الضوء في بقعة محددة في سياق توليفات لونية تتقاطع مع حركة مباغتة في خفوت العناصر الموازية.
نتوقف عند رجل يتّكئ على طاولة تطل على نافذة، وقد أسند رأسه بين ذراعيه، غارقاً بالأبيض والرمادي. لا نعلم إن كان يستعيد حلماً مبهجاً أم كابوساً. عازف العود في لوحةٍ أخرى يبدو كأنه يعزف لنفسه في المقام الأول. ذلك أنّ الحشود التي تملأ المقهى غارقة في أحزانها، وبالكاد نتبيّن ملامحها. على الأرجح، فإن جبر علوان يعيش مخاضاً لونياً مختلفاً، بدخوله عوالم جوانيّة لشخوصه، وخصوصاً عبر التفاته إلى الرماديات التي تحضر بقوة في أعماله الجديدة، إلى جانب لونه الأثير الأحمر بكل غرائزيته وعنفوانه.

في معرضه الجديد، يدخل التشكيلي العراقي برزخاً آخر ويعيش مخاضاً لونياً مختلفاً
سطوع اللون أو خفوته يرتبط هنا بطبيعة المكان الشرقي أو الأوروبي وفقاً لترحالات هذا التشكيلي العراقي. المقهى بالنسبة إليه هو ملجأ، وربما وطن للغرباء، وإلا فما تفسير هذه العزلة؟ تحضرنا هنا قصيدة أدونيس «مفرد بصيغة الجمع». سننتبه بغتة إلى امرأة وحيدة وسط الجموع، أو إلى رجل يكلم نفسه، فيما تغيب ملامح من يجلس قبالته، كأنه لا ينصت إليه. لن نجد مقاهي بغدادية في اللوحات الـ 30 التي ضمها المعرض. لعلّها امّحت من ذاكرة المنفى الطويل، أو أنها غابت وسط زحام اللحظة الراهنة. نخرج من الصالة، بمخزون لوني آخر. لا شك في أنّ جبر علوان قد دخل برزخاً بصرياً آخر، وهنا تكمن أهمية أعماله الجديدة.


حتى 27 تشرين الثاني (نوفمبر) ــــ « غاليري آرت هاوس»، دمشق ــ للاستعلام: +963116628112