لا لسياسة الأمر الواقع ولا لقلب الحقائق
خالد الغول *لمّا طال انتظار المستفيدين من المشاريع التطبيعية وانتابهم شعور باليأس من احتمالات تغيير الموقف من التطبيع ـــــ على اعتبار أن هذا الموقف يمثّل قيداً على مشاريعهم ومصالحهم ـــــ بادروا إلى شنّ حربهم الشرسة، هادفين إلى حشر الطرف الآخر في الزاوية، وإبرازه كمتّهم عليه أن يثبت براءته من التهم المنسوبة إليه، تماماً كما يفعل منظّرو الحكام العرب الذين يبدعون في قلب الحقائق ويجعلون من المنتفضين «حرامية» ومن المقاومين «عبثيين» ومن الاستشهاديين «وائدين للحلم الوطني» ومن الديموقراطيين «مهدّدين لأمن الدولة»... ويظنون أنّ حربهم ستؤتي ثمارها، وستمتد قافلة «الكاسرين للحصار!» من مراكش إلى

يعتقدون أنّ قافلة «كاسري الحصار» ستمتدّ من مراكش إلى القدس

البحرين لتصل إلى القدس. وان الذين يعزلون الشعب الفلسطيني من مناهضي التطبيع سيصبحون في عزلة ويتحولون إلى فئة هامشية تناطح مخرز الموقف «الإجماعي» الذي تضمّنه «بيان القصبة التاريخي» (بيان يطالب بكسر الحصار عن الشعب الفلسطيني رداً على رفض المثقفين العرب زيارة فلسطين).
الموقف الواضح من التطبيع كما يتبنّاه المناهضون له لم يتغيّر، وهو الموقف المبدئي الذي يلتزم به المبدعون العرب. ومن الطبيعي أن يكون هنالك تفاعل كبير وحوار مستمر بين المثقفين العرب والفلسطينيين لصياغة مواقف متجددة بشأن المتغيّرات والتفاعلات وتقويم المواقف وفحص الخيارات واستخلاص العبر بطريقة علمية ومنطقية وعقلانية مبنية على أرضية المصلحة الوطنية والقومية. ولا بد من أن يقوم هذا الحوار على أسس ومعايير لا تُعدّل إلا بالاتفاق ودون خروق لما اتفق عليه، وخصوصاً أنّ الموقف المبدئي الذي لم يتغيّر من التطبيع، هو في جوهره وعناصره موقف المثقفين العرب ذوي الرقي والتميّز الإبداعي والفكري، وذوي المواقف الوطنية، وأن هؤلاء المثقفين لم يبادروا حتى الآن إلى خرق هذه الموقف تحت أي مسوّغ. (من أكثر شهوة من مرسيل خليفة للارتماء في أحضان جماهيره في قلب القدس؟!) يدرك بعض المثقفين العرب والفلسطينيين أنهم، بالنسبة إلى مثقفي «الحياة مفاوضات»، خشبيون ومنغلقون ومغامرون وعدميون وقومجيون ومعاكسون للتيار. لكنهم لا يرتعدون من هذه التهم الجاهزة. هم لن ينكفئوا هرباً من تهمة التخشّب والانغلاق، أو لهاثاً خلف الفرص، أو انعتاقاً من الجمر المقبوض عليه طويلاً بين اليدين. سيظلون يقاطعون ويناهضون التطبيع ومؤسساته ورموزه، ولا يكتفون بالمقاطعة، بل ينشطون في حملات المقاطعة المنظّمة والمستمرة أيضاً.

* ناشط ثقافي فلسطيني