نجوان درويشثمة جوانب سريالية لعمليات التطبيع الثقافي التي تلحظ عودة محمومة هذا العام. مَن يمكنه التصديق أن شاعراً عُرف من باب شعر المقاومة، ينتهي به المطاف بين الشعراء الإسرائيليين وفي أمسية مخصصة لـ«إحياء ذكرى إسحق رابين»! سميح القاسم شارك أخيراً في مهرجان للشعر الإسرائيلي تنظمه «جمعية هيلكون لرعاية الشعر في إسرائيل» www.helicon.org.il ، وأنشد أشعاره في أمسية رابين تلك في 29 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي. هذه ليست جديدة من سميح القاسم، رغم أنّه ما زال يعتبر نفسه «شاعر مقاومة» و«يتغنّى» ـــــ كلما لاحت له فرصة ـــــ بالقومية العربية على الفضائيات، إلى جانب مديحه الممجوج لكلّ السلطات في العالم العربي. مع ذلك، يقبل بإدراج اسمه مع الشعراء الإسرائيليين تحت لافتات لم تعد تنطلي على أحد. يمكنك أن تجد اسمه في

شارك سميح القاسم في أمسية مخصصة لـ«إحياء ذكرى إسحق رابين»!

أمسيات «دائرة الثقافة العربية» في وزارة الثقافة الإسرائيلية أو في كتب خاصة بـ«الشعر الإسرائيلي العبري والعربي» أو في مشروع «شعر في الشارع» في شوارع القدس المحتلة! ومنذ سنوات هو من المشاركين في «مهرجان القدس العالمي للشعر» الإسرائيلي الذي ينظمه الاحتلال تحت ذريعة أنه مهرجان يساري! فيما نجد شعراء إسرائيليين يقاطعون هذا المهرجان مثل أهارون شبتاي الذي شبّه هذا المهرجان مرةً بعلبة المعطّر التي توضع في الحمامات لتمويه رائحة البراز. هذا المهرجان الذي فشل في استقطاب أي اسم شعري عربي محترم، حاول مراراً دعوة الشاعر أدونيس من دون أن يفلح. أما الفلسطينيون والعرب الذين شاركوا فيه وفي «مهرجان هيلكوم»، فأغلبهم بلا قيمة شعرية أو ثقافية. باستثناء الشاعر طه محمد علي، أحد أفضل من كتبوا ذاكرة النكبة الفلسطينية شعراً وقصة. لكن من المؤسف أنه يقبل منذ سنوات هذه المشاركات. ولكن اللوم أحق بسميح القاسم لأن الأخير مُصدّر شعارات مقاومة من الدرجة الأولى، فيما طه محمد علي رجل يملك موهبة أدبية لكن بلا وعي سياسي يوازيها! ولا بد من الإشارة إلى مهرجان تطبيعي صغير يدعى مهرجان «نيسان الدولي للشعر» في قرية المغار يحاول القائم عليه نعيم عرايدي، وهو عضو في حزب الليكود الصهيوني (ومؤلف كتاب «أشعار عربية في إسرائيل»!) اصطياد شعراء عرب للمشاركة فيه، إلى جانب الإسرائيليين. يبدو أن «مشاريع التطبيع» الثقافي تشهد عودة محمومة، وصار يصعب متابعتها والتعقيب عليها، من كثرتها!