الإعلام العربي الخاصّ كان أسوأ أداءً من نظيره الحكومي خلال تغطية مباراة الخرطوم أول من أمس. الفضائيات المصرية أقامت حفلات سخرية وتحقير فيما اختلقت الصحف الجزائرية أخباراً كاذبة
محمد خير
في أتون المواجهة الجزائرية المصرية، قرّرت إدارة منتدى رياضي شهير على الإنترنت إغلاق غرفتي البلدين. أذاع الخبر إعلامي عربي مرحِّباً بالقرار، ومتمنّياً إغلاق كل «فضائيات الفتنة». تلقّف «الأمنية» إعلامي من ذوي الفتنة، فطالب بإغلاق «الصحف المحرضة». والمثير أنّ أمنيات قمعيّة مماثلة، لاقت قبول كثيرين ممن لم يستمتعوا بالحرب بين البلدين العربيين. وقد اضطرّ كثيرون للاكتفاء بـ«بي بي سي» و«سي إن إن» والوكالات الغربية، أملاً بمعلومة تلبّي المعايير المهنية، بعدما انقسم الإعلام العربي بين إعلام تعبوي ظنناه انقرض، وآخر إخباري العربي راح يصبّ الزيت على النار، فحوّل «الطوبة» اعتداءً وحشياً، والمناوشات اشتباكات دموية.
والواقع أن ما حدث على الأرض كان مثيراً حقاً أربك الإعلام وخالف معتقدات «عروبية» كثيرة. مثلاً، اختار المصريون الخرطوم لإقامة المباراة الفاصلة، فإذا بالأغلبية السودانية تتعاطف مع الجزائريين، وقررت السودان أن ينتظر الفريق الخاسر داخل الملعب بعد المباراة خوفاً من الشغب، فجاء الشغب من الفريق الفائز. والواقع أن اختلال الظنون ربما يرجع إلى الاستناد إلى مقومات مرحلة يتنصّل الكل منها الآن عملياً، فلا يستدعونها إلا عند الحاجة، فلا تلبّيهم بالطبع تلك الحاجة. فمن عجب أن يتحدث كثيرون عن «أخوّة» مصر والجزائر كأنّنا في العهد الناصري، وأن يتصوّروا أن بين مصر والجزائر أكبر من مباراة. والواقع أنه «كان» أكبر ولم يعد كذلك. لا المصري يعرف الآن عن الجزائر شيئاً، ولا الجزائري يحمل تجاه مصر أي مشاعر خاصة. بلد مشغول في فقره وآخر منغمس في عنفه الداخلي والاثنان محتجزان بعيداً ما وراء الحريات السياسية والديموقراطية وحقوق الإنسان. بلدان تلخّص «نضالهما» في محاولة تسديد كرة داخل المرمى، والتأهّل لكأس العالم كل أربع سنوات، لكنّ الرئيس يبقى مدى الحياة.
ومن المخزي للإعلام العربي الخاصّ أنه كان أسوأ أداءً من نظيره الحكومي. استغلت معظم الفضائيات المصرية الرياضية غياب فضائيات جزائرية خاصة، فأقامت يومياً حفلات شتم وتحقير، أصحابها رياضيّون سابقون تحولوا إلى إعلاميين، فظنوا أن الإعلام الرياضي يعني نقل عصبية الملاعب إلى الشاشات. وظنّت صحف جزائرية أن دورها في سد الغياب الفضائي يعني أن تسمح لنفسها باختلاق

رياضيّون صاروا إعلاميين، فنقلوا عصبية الملاعب إلى الشاشة

أخبار كاذبة، عن اغتصاب جزائريات في القاهرة، وجثث المشجعين الجزائريين التي تصل إلى مطارات الجزائر. ليست المشكلة أنها كانت حرباً إعلامية بل كونها حرباً «قذرة»، خاطبت أحطّ ما في عقل المشاهد، نزعاته الأولوية الهمجية، خلاياه القبلية، وغرائزه الشوفينية. بل النكتة كانت حاضرة عندما احتكم الفريقان إلى المباراة الفاصلة في الخرطوم، فعادت فجأة محبة وادي النيل وأهله إلى المحطات المصرية، بينما نزع الجزائريون إلى إفساد تلك المحبة، ونشر مقالات تذكِّر السودانيين بصورة السوداني والنوبي في السينما المصرية!
والأكيد أن الإنسان العربي مشحون ومكبوت، يريد إنجازاً بعيداًَ عن نظريات «حكمة» الرؤساء العرب، وقد بذلت الأنظمة العربية جهداً لإقناع شعوبها بأنّ المشروع القومي والتحديات الكبرى ألفاظ تنتمي إلى «زمن الشعارات»، وحاصرت شبابها في كل شيء إلا الكرة. تركتها له ينفجر فيها بعيداً عن السياسة. وتبلغ السخرية أقصاها فنكاد نتحسر أنّ إسرائيل تلعب مبارياتها ضمن تصفيات القارة الأوروبية... ربما لو كانت تلعب ضمن العالم العربي، لنالت نصيباً من كل تلك الكراهية!