تحوّلَ إلى حضن للحراك الشعبي والحقوقيمحمد خير
لا بد من أن السنوات الثلاث التي مرت منذ إقامة أولى دورات «منتدى حوكمة الإنترنت» تبدو أطول بكثير في عيون القائمين عليه. يبدو الإنترنت في ختام الدورة الرابعة للمنتدى الذي أقيم أخيراً في شرم الشيخ، شيئاً مختلفاً تماماً. لقد أصبح أقل مركزية بكثير إذا كنا نتحدث عن الحكومات، لكن ربما أكثر مركزية إذا كنا نتحدّث عن الشركات التي تمتلك المواقع الأكثر استخداماً في العالم.
ورغم أن المنطقة العربية تمتلك معدلاً متقدماً في نمو الدخول على الشبكة، إلا أن نظرة سريعة لغالبية المواقع والمنتديات العربية، وسلوك المستخدم العربي، يوضح بسهولة كم أنّ وسائل التكنولوجيا يمكن استخدامها مثل «ناقة» في حروب داحس والغبراء العربية، وأن تحقير الجنسيات والأعراق والطبقات يمثّل نسبة لا بأس بها من الصفحات العربية على الشبكة.
انعكاس المشكلات الثقافية العربية على استخدام الشبكة يبقى أمراً طبيعياً، لكنه يطرح مفارقة لا بد من تأملها بالنظر إلى استقبال مدينة عربية هي شرم الشيخ فعاليات «منتدى حوكمة الإنترنت». رغم أن الحكومة المصرية لا تحجب المواقع، ويندر أن تلاحق مدوّنين إلا إذا ارتبط نشاطهم بممارسة سياسية على الأرض، إلا أنها تبقى جزءاً من منظمومة ثقافية وسياسية عربية تمتلك تفسيرها الخاص لقاموس الويب. عندما يناقش المنتدى في دوراته المتلاحقة قضية أمن الشبكة مثلاً، فإنه يهدف أساساً إلى مكافحة جرائم المعلومات وغسيل الأموال وغيرها من القضايا الجنائية. أمّا عربياً فإن أمن الإنترنت مسألة سياسية بالتساوي مع المسألة الجنائية، وقد تتقدم السياسة على الأمن الجنائي. إذ إنّ الأمن السياسي يحتل الأولوية و«يتمتع» بالنشاط الأبرز لعناصر الأمن المنتقاة بعناية لحماية «الوطن». يمكن القياس بالمعيار نفسه على العديد من أهداف ومسمّيات خطط تطوير الويب وتوسيعه. بالنسبة إلى البيروقراطية العربية، فنشر ثقافة الويب يقاس بعدد أجهزة الكمبيوتر، وعدد الخطوط المتصلة بالشبكة، وحجم السوق... لكن غالباً، كما هو متوقع، لا قياس حقيقياً للمردود المعرفي والبحث العلمي والتطور النوعي في استيعاب تقنية الإنترنت بوصفه منجزاً علمياً يتجاوز بكثير «الرغي» على التشات، واستخدام ألعاب الغرافيك، فضلاً عن «تنمية الكبت» الجنسي لو صح التعبير.
وكما في الحياة الواقعية، كذلك على الشبكة: لكل فعل، رد فعل «افتراضي». لذا فإن ما حققته أجهزة الأمن والرقابة العربية من «تطوّر» على الشبكة، دفع المستخدمين إلى استخدام السلاح نفسه، فأنتجوا وسائل استخدام سياسية أغزر وأكثر تنوعاً من أن تلاحقها السلطات، وانتقل المستخدمون بحيوية من المدوّنات إلى الـ«فايسبوك» والتويتر، بينما ما زالت السلطات تحاول استيعاب هذا وذاك... طبعاً من أجل التقنين ثم التجريم، حتى أيقنت هذه السلطات أن المواقع الاجتماعية الجديدة بما لها من سهولة الاتصال وسرعة إنشاء المجموعات وغلقها، لا يمكن ملاحقتها بالفعالية اللازمة. هكذا، اكتفت السلطات بالتغلغل في الخطير من تلك المجموعات، الخطير سياسياً بالطبع، واستندت إلى أنّ الحياة الافتراضية لا يمكن في النهاية أن تعوّض النشاط الواقعي المباشر والدؤوب، وأن المجموعات والمنتديات السياسية على الشبكة قد تؤدي دوراً معرفياً، لكنها لا يمكن أن تنتج نجاحاً سياسياً إلا بصفة موقتة.
وعلى أطراف السياسة، تبدو الحملات الحقوقية على الشبكة نقاطاً دافعة لإنتاج نقاش إعلامي عام بشأن القضايا الاجتماعية. أصبح جزء لا بأس به من الإعلام المرئي والمكتوب مخصصاً لتلقف أخبار إنشاء مجموعات على «فايسبوك» معنية بالحقوق والحريات الشخصية، أو منادية بمطالب فئوية، وهو بعد آخر يميز الاستخدام العربي للمنتديات الاجتماعية، لأنّ المجتمع يفرض حظراً لا يقل عن الحظر الذي تفرضه السلطات على السياسة. فقد تصبح مطالبة فتاة بحقها في اختيار ملبسها أخطر في بعض المجتمعات من مطالبة بإنشاء حزب سياسي في المجتمع نفسه. بين هذا كله، قد يبدو إيجابياً أن يسمح فضاء الويب بهذا النقاش العربي الواسع الحر والمباشر في مختلف القضايا وبين مختلف الفئات. وقد يرى آخرون أن كل ذلك يمثّل استهلاكاً لطاقة مجتمعية لا يمكن لها أن تلاحق التطور التكنولوجي، فضلاً عن أن تضيف إليه، بينما هي منغمسة في صراعات تجاوزتها المجتمعات الأخرى منذ دهر.
والأكيد أن تلك المشكلات التي ينبغي لمجتمع الإنترنت العربي أن يحلّها أولاً، تجعل مسألة السماح قبل أيام بإنشاء نطاقات ويب عربية (أولّها «دوت مصر») خبراً لا يلقى ما يليق بأهميته. ليس هذا غريباً، ففي النهاية ليس الآكل كالزارع، وليس المشتري كالصانع.


zoom

«أريد حقي»



بدر الإبراهيماللافت في هاتين الحملتين هو آلية عملهما. هما تستخدمان مواقع الإنترنت كوسيلة للحشد والتعبئة، ليصبح الإنترنت بالتالي ساحةً تحتضن الحراك الشعبي والمطلبي السعودي وتحديداً النسائي الذي لا يجد له مكاناً على أرض الواقع.
هكذا، أتاحت الحرية على الإنترنت للمرأة تنظيم الحملات والدعاية. والملاحظ أن النساء المطالبات بتثبيت وصاية الرجل عليهن لأنه «أدرى بأمرهن»، مع ما يعنيه هذا من تأييد لمفهوم قصور المرأة، هن من ينظّمن الحملة لا أولياء أمورهن. وفي هذا حراكٌ نسائي مطلبي مهم بغض النظر عن دوافعه ومطالبه.
وبعد حملات التصويت لنجوم البرامج الغنائية وشعراء القبيلة المتلفزين، انتقل السعوديون والسعوديات إلى حملات للتصويت لمصلحة قضايا مطلبية. وهو ما حدث في عدد من البلدان العربية لعل أشهرها إضراب «6 أبريل» (راجع المقال ص 19) الذي ولد على الإنترنت حاملاً مجموعة مطالب تغييرية في الداخل المصري. كل هذا يقود إلى أن الإنترنت جعل الفرد العادي مشاركاً في الصناعة الإعلامية وحاضناً للحراك الشعبي والحقوقي في العالم العربي. ما يؤسس لوعي حقوقي ويضع بذرة حراك مدني يسهم في إحداث التغيير.