strong>حكي نسوان (ورجال) في «مسرح المدينة»المخرجة التي أثارت قبل سنوات زلزالاً في بيروت، تعود بكوميديا عن كليشيهات الذكورة والأنوثة. يعتمد العمل على الحوار أساساً (مع رودني الحداد)، وعلى أداء الممثّلين، ويقوم فوق تلك الهوّة التي يفترض أنها تفصل بين الرجل المنحدر من Mars إله الحرب والخصوبة، والمرأة سليلة Venus إلهة الحبّ والجمال

بيار أبي صعب
عند لينا خوري، في البدء كان الحكي. من انطلاقتها المدوّية مع «حكي نسوان» (٢٠٠٦)، إلى عملها الجديد «صار لازم نحكي» (٢٠٠٩) الذي يقدّم حاليّاً على خشبة «مسرح المدينة» في بيروت، يحتل الحكي مكاناً محوريّاً في عمارتها المشهديّة. عادت المخرجة الشابة إلى المحرّك نفسه: الحكي الذي «يحرّر»، ويكشف المستور، و«يبيح» طرح القضايا والمشاكل العالقة، ويطلق سراح الكلمات والمشاعر والأحاسيس المكبوتة التي تجعل المشاهدين ينفجرون بالضحك. «الحكي» بما فيه من مباشرة (وطبيعيّة) في تعبيره عن مشاغل اجتماعيّة راهنة ومباشرة، على لسان شخصيّات كاريكاتوريّة مستقاة من واقعنا وحياتنا اليوميّة.
«صار لازم نحكي» مستوحاة من كتاب الأميركي جون غراي «الرجال من المرّيخ، النساء من الزُهرة»
لينا خوري تقدّم لنا في «صار لازم نحكي» (وقّعت النصّ مع رودني الحداد) كوميديا اجتماعيّة، قائمة على المبالغة والتضخيم ـــــ حواراً وتمثيلاً ـــــ في تناولها لتلك «الحرب» الأبديّة بين الجنسين. تمضي في اللعب على الوتر الحسّاس، ناسجةً الملامح غير المكتملة لفرجة تريد نفسها شعبيّة، قادرة على استدراج جمهور لا يرتاد المسرح بالضرورة، ولا تغريه الاجتهادات الجماليّة والفكريّة. الحوار المأخوذ من كلام كل يوم، بما فيه من قفشات ولطشات ومفارقات، هو نقطة الثقل في المسرحيّة. فيما الخشبة بسيطة، وحركة الممثلين فوقها غير أساسيّة، والديكور واقعي يخيّل إلينا أننا شاهدناه مراراً: البار والكراسي والطاولات... وسرعان ما نكتشف أنّ «الحانة» مجرّد ذريعة، والشخصيّات نمطيّة، والأداء ميكانيكي خارجي كما تقتضي الكوميديا التي تلامس حدود البولفار.
«البار» الذي التجأت إليه الصديقتان أمل (ديامان أبو عبّود) وتونيا (باتريسيا نمّور) لتتبادلا همومهما والشكوى من الرجال، سيتحوّل حلبة مصارعة كلاميّة، بين الفريق النسائي المشار إليه، وفريق «الرجال» الذي يتألّف من نادل الحانة مارك (إيلي متري) وزبونها الغريب الأطوار «الأستاذ» منير (غبريال يمّين). أما الحكَم المرتجل للمباراة، فسيكون كارمن الـ«دي دجاي» التي «تلعب» الموسيقى في البار (زينة زيادة). قبل أن نكتشف في الجزء الثاني من العرض، مع وصول «المخرج» فؤاد منسّى (جورج الأسمر) أنّ كل ذلك ليس سوى مسرح. قصّة المسرحيّة التي جئنا نشاهدها هي عن فرقة تتدرّب على مسرحيّة تحدث في هذا البار الافتراضي الذي أمامنا. وما نراه هو البروفات على مشاهد مشابهة، وبالتالي كل شخص له اسم «حقيقي» (كارول، ناديا، عمر، وليد، جنى)، غير اسم الدور، وغير الاسم الحقيقي في الحياة. هل أضافت لعبة المستويات تلك إلى العمل؟ أم يبقى في النهاية، بمعزل عن «المسرح داخل المسرح» على طريقة بيرندلّلو، مبارزة كلاميّة تلهب الصالة، بين كتلتي النساء والرجال، أو بين «هو» و«هي» بصيغة المفردتنتقل المواجهة من الشخصيّات إلى الممثلين. عمر/ مارك يتمرّد على المخرج، ويرى أن النص مجموعة كليشيهات لا علاقة لها بالحياة. ثمّ يدخل في خناقة مع صديقته الممثلة كارول/ أمل... وعند الأخيرين، وقد تصالحا بعد خصام انفضت على أثره البروفا، تقفل المسرحيّة على أغنية «صار لازم نحكي» (رودني الحداد/ إيلي براك، غناء كاثي زخور). تلعب لينا خوري على كليشيهات الذكورة والأنوثة، وعلى الأفكار السائدة والأحكام المسبقة التي تحدد سلوك الأفراد. تضحك، وتضحكنا، من تناقض مفترض في الأحاسيس والرغبات والأولويّات، واللغة نفسها، بين «الطبيعتين» كما قولبهما الإطار التقليدي المهيمن. يبدو الصراع في المسرحيّة قائماً على سوء تفاهم جوهري (كياني؟) بين الجنسين: عالم الرجال الذي يتراوح بين أنانيّة وسطحيّة وفوتبول وسلطويّة ومخادعة وأولويّة للجنس، وعالم النساء الذي يجمع العفويّة والصدق والفساتين والكوافير والخفّة وأولويّة المشاعر.
الفنّانة اللبنانيّة التي عرفت بتناول المحظور، تستند في عملها إلى شغل الممثلين، وهو لافت غالباً، بدءاً بغبريال يمّين الذي يعطي العمل حضوره. لكنّها هذه المرّة، رغم الجرأة اللفظيّة، لا تذهب إلى النهاية في بناء عملها. أما النفَس الصدامي الذي ميّز عملها السابق «حكي نسوان»، فقد بات أكثر لطفاً وانشغالاً بالبعد الترفيهي. في التجربة السابقة ذهبت إلى نص شهير للكاتبة النسويّة الأميركيّة إيفا إنسلر «مونولوغ المهبل» (1996)، لتستوحي خطابها القائم على إعادة الاعتبار إلى جسد المرأة ومشاعرها وصراعها من أجل الوجود في بيئة ذكوريّة. هذه المرّة ذهبت إلى كتاب الأميركي جون غراي «الرجال من المرّيخ، النساء من الزُهرة» (1992)، وهو مثقل بالتسطيح والوعظ على الطريقة الأميركيّة. وقد عرف بدوره رواجاً واسعاً، بما يتضمّنه من نصائح للرجل والمرأة، كي يقبل كل طرف «اختلافات» الآخر ويعرف كيف «يفهم لغته»!
النص اللبناني لا يأخذ من كتاب غراي سوى الخلفيّة العامة وبعض التفاصيل. والنتيجة كوميديا اجتماعيّة لطيفة ومسليّة عن الأنوثة والذكورة. لم لا؟ علماً بأن هناك من ينتظر من لينا خوري أكثر من ذلك.

حتى 19 كانون الأول (ديسمبر) ـــــ «مسرح المدينة» (الحمرا ـــــ بيروت) ـــــ للاستعلام: 01/753010