شهادات جارحة في آليات المنع والمصادرة، في «الرقابة... بوجوهها وأقنعتها المختلفة». 15 كاتباً عربياً يسألون إن كان هذا الفعل نتاج الجلّاد أم مرض الضحية
خليل صويلح
نفتش في كتاب «الرقابة... بوجوهها وأقنعهتها المختلفة» («دار بترا» ـــــ «رابطة العقلانيين العرب»)، فنجد شذرات عمَّا أعمله مقص الرقيب في تاريخ التفكير العربي. 15 كاتباً عربياً شاركوا في ملف أعدّه موقع «الأوان»، فكانت الحصيلة شهادات في آلية عمل الرقابة العربية وخطوطها الحمر. خطوطٌ ازدادت شراسةً في ظلِّ أنظمة قمعية ضيَّقت على أي فسحة أوكسجين هاربة من غرفها المظلمة. كأنَّنا لم نغادر عتبات القرون الوسطى، ومقصّ «المكتوبجي» العثماني.
تراهن رجاء بن سلامة على انتشار الصحافة الإلكترونية في مواجهة الرقيب، لكنَّها تنسى أنَّ هذا الرقيب تسلّل باكراً إلى المواقع الإلكترونية وحجبها. من جهته، يشرّح هاشم صالح معنى حرية التعبير، معتبراً أن هذا الإنجاز الذي نص عليه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، هو نتاج انتصار الحداثة في أوروبا، وجزء لا يتجزأ من التراث العلماني الديموقراطي، انبثق مع بداية عصر التنوير، فيما توقفت حرية التعبير في المجتمع العربي الإسلامي مع «إخماد أطروحة المعتزلة بقوة الحديد والنار»، المناهضة للأصولية الإسلامية. لا يكتفي رقيب اليوم بمنع الكلام كنوع من العنف الرمزي، بل بانتهاك الجسد، هذا ما يشير إليه العادل خضر، في قائمة طويلة من الانتهاكات: سلمان رشدي، ونجيب محفوظ، ونصر حامد أبو زيد، وتسليمة نسرين، ونوال السعداوي، وأمثلة أخرى تنبئ بـ «عودة دواوين التفتيش»، نظراً لازدياد موجات التعصّب، وتجاوز حرية القول إلى هدر دم المبدع. يتساءل وديع شامخ «هل الرقابة نتاج الجلاد أم مرض الضحية؟» ويستنجد بمقولات فوكو في كتابه «المراقبة والمعاقبة» وقد وصف الرقابة بأنها «استفزازات نصيّة ودلالية وواقعية». كما يعرّج على نماذج لآلات أنتجها العقل البشري لمصادرة جسد الإنسان وفكره كجزاء لخرقه قوانين القطيع.
وإذا بالرقابة العربية تطال الأحلام والنوايا غير المصرّح بها. الإنسان العربي كما يقول وديع شامخ «لم يمتلك لحظة الحرية كاملة». تتبدّى هنا محنة العقل العربي الذي يتستّر بأقنعة في حفلة تنكرية لا يُعرف فيها أبداً، من هو الضحية، ومن هو الجلاد. يسمّي شاكر النابلسي دائرة المطبوعات والنشر لدى الأنظمة العربية «الدائرة السوداء»، ويروي قصته مع مصادرة كتبه في

«رقابة الشارع» طاغية مع تصاعد الأصوليّات
معظم البلدان العربية، ليس على يد الأنظمة البوليسية فقط، بل عن طريق ما يعُرف بـ«رقابة الشارع» في ظل اكتساح الأصولية الإسلامية للشارع العربي. يشبِّه النابلسي هذا الوضع بالغوغاء التي كانت تمارس سطوتها مطلع القرن العشرين، ثمّ أجبرت السلطات على مصادرة كتاب طه حسين «في الشعر الجاهلي»، وها هي اليوم تحرق كتاب علي عبد الرازق «الإسلام وأصول الحكم».
يرفض حميد زناز وجود رقابة عربية بغياب أسبابها وهي الحرية في حدها الأدنى، طالما أننا كعرب «لم نبرح مستوى الرعية»، ويضيف «ليس سهلاً أن تكون اليوم عربياً عقلانياً حرّاً، في مجتمع يجرّم العقلانية». ويرصد باسم النبريص أوضاع الرقابة في فلسطين. يقول الشاعر الفلسطيني إنّ قوة الاحتلال كانت تمارس الإرهاب الفكري على أي نص يكتبه عربي، عبر الاستدعاء والسجن والنفي، والإهانة والتعذيب الجسدي. أمّا السلطة الوطنية، فتحرق مثلاً كتاباً لدنيا الأمل إسماعيل يتحدث عن الثقافة في الداخل، بعد زيارة إلى غزة. ثمّ جاءت الطامة الكبرى مع منع كتب إدوارد سعيد إثر مقالات كتبها المفكر الراحل في نقد اتفاقية أوسلو والقيادة الفلسطينية. مهلاً لم تتوقف الرقابة الفلسطينية «الهوجاء» عند هذا الحد. فقد كان الضحية الثالثة أنيس صايغ، رئيس «مركز الأبحاث الفلسطيني» في بيروت، إذ مُنع كتابه «13 أيلول». لكن ماذا بخصوص حماس؟ «غالبية ما نكتب وننتج هو حرام وهرطقة في شرح حماس» يقول باسم النبريص. في الكتاب شهادات أخرى، كأن لكل كاتب حكايته الشخصية مع الرقيب.