strong>زياد عبد الله بإمكان سياق سينمائي أن يأخذ بـ«يد إلهية» ويضعها على الجرح ولا يطيب. بإمكان الحب أن يقع عند الحواجز، وما من لقاء طبيعي في ظلّ احتلال مجنون. حبّ محاصر في حدود سيارة لا يمكنها العبور، بينما ينجح في ذلك بالون عليه صورة ياسر عرفات، تنهمر عليه رصاصات الجنود الإسرائيليين... لكنها السماء وما أوسعها.
يأتي إيليا سليمان بعد تلك «اليد الإلهية»، ليقفز بعصا من فوق جدار الفصل في «الزمن الباقي». إنها مفردة «كاريكاتورية» متهكّمة تدخل مفرداته السينمائية، حيث الأسى يجاور الضحك، والمأساوي يجاور الكوميدي... كما لو أنّ في المأساة ـــــ لكثرة ما طالت ـــــ ما يدفع إلى الضحك. يأتي الشريط رثاءً ضاحكاً، مأخوذاً من الحياة اليومية التي تحمل أبعادها المجازيّة، بمجرد أنّها تجري في فلسطين: مشاكل سياسية واقتصادية واجتماعية تمسي مجازات سينمائية.
في «الزمن الباقي»، ينحاز سليمان إلى ذاكرته الشخصية. يدعها تنتقي المفردات البصرية، تتبع منطقها وهو يقدم سيرة سينمائية، تتشابك مع سيرة شعب وضياع أرض.
الاشتباك أكبر هنا مع الإسرائيلي من «يد إلهية». يبدأ «الزمن الباقي» من العتمة التي تنقضي مع فتح غطاء السيارة، وظهور سائق تاكسي يضع الحقائب. وتمضي السيارة مع انهمار المطر، بينما إيليا سليمان نفسه جالس في المقعد الخلفي، والسائق لا يتوقف عن الكلام بالعبرية والتذمّر. تتوقّف السيارة بعدما عجزت عن المواصلة بسبب الأمطار. ولعلّ الدلالة بادية هنا، فالعطالة توقف كل شيء في منتصف الطريق إلى لا مكان.
التقطيع المونتاجي يعمل تحت إملاءات الذاكرة. اللقطات طويلة أو قصيرة، وفقاً لهذه الذاكرة، بل إن المَشاهد تمسي لقطات والعكس

الاشتباك مع الإسرائيلي أكثر حدّة هنا من «يد إلهية»

صحيح، خصوصاً في القسم الأخير حين يتحوّل كل مشهد إلى مقولة. والسياق هو إيليا سليمان نفسه، كما الدبابة الإسرائيلية في رام الله، إذ يرافق مدفعها حركة شاب يتكلم على الخلوي وهو يمضي جيئة وذهاباً. أما الشباب الفلسطينيّون المجتمعون للرقص، فتنتظرهم في الخارج سيّارة عسكرية إسرائيلية تردّد بمكبّر الصوت منع التجوال، لكنّ الشباب لا يشعرون بوجودها... هناك أيضاً ذلك الفتى الذي قُيّدت يده بيد جندي إسرائيلي، فإذا بالشاب يقود الجندي لا العكس. إنّها الضحية إذ تأسر جلّادها.
تمكن استعادة لقطات كثيرة تقول ما تقول. ويمكن الإدانات البصرية أن تشمل كل شيء، وتحمل صرخة مسكونة بالسخرية والنزق والملل من كل شيء، واتهاماً للجميع بضياع حياة طبيعية يتوق إليها الفلسطيني. ولعل كل ما في الفيلم موظف في خدمة ذلك، من بائع الصحف الذي ينادي «الوطن بشيكل وكل العرب ببلاش»... وصولاً إلى الجار الكحولي الذي يأمل تحالف لبنان مع فرنسا حتى «نـ... أخت إسرائيل».